إخلاصه الإخلاص من أعمال القلوب التي لا يطلع على حقيقتها إلا الله ، لكن ما في القلب يظهره الله على الجوارح واللسان ، وقد ظهر من هذا الإمام قرائن وأمارات الإخلاص ، ولن أذكر هنا قصص إخلاصه وإنما أريد الإشارة إلى أن الإخلاص وغيره من أعمال القلوب يستحب للعبد إخفاؤها والحرص على ذلك ، وهذا دأب الأئمة ومنهم الإمام أحمد ، قال المروذي تلميذه : ( رأيت أبا عبدالله إذا كان في البيت عامة جلوسه متربعا خاشعا ، فإذا كان برا لم يتبين منه شدة خشوع )(1).
وقال أبو حاتم الرازي : ( كان أحمد إذا رأيته تعلم أنه لا يظهر النسك ، رأيت عليه نعلا لا يشبه نعال القراء ، .. أي لم يكن بزي القراء )(2)، بمعنى أنه كان يخفي قدره في العلم والديانة ، ولا يفعل كما نفعل نحن ، ما إن يحس الواحد منا بشيء من الإيمان في قلبه والعلم في فؤاده حتى يضع على بدنه من الثياب والطيب ما ينفق على أسرة سنة كاملة ، ثم خرج يختال في مشيته مزهوا بنفسه محتقرا لغيره وكأن الله حاز له العلوم بين جنبيه ، ولو أن شخصا ناداه باسمه مجردا من المشيخة لعدها من سوء أدب هذا المنادي ، وعدم تقديره لأهل العلم ، وهذا من أمراض العصر سببها غياب التربية الحقيقية ، وعدم التأدب بأدب العلماء الصالحين المتواضعين .
صفحة ١٢