وليعلم الموجه أن هؤلاء الفتية من الطلبة لم ينشئوا في بيئات أهل العلم والدعوة حتى يستفزه أدنى إساءة من أحدهم ، بل كثير منهم حديث عهد بتوبة ، فمداراتهم والصبر عليهم فيه أجر جزيل .
- - - - -
زواجه
لاشك أن النكاح هو سنته - صلى الله عليه وسلم - ، وأن النكاح للمستطيع مستحب ، لكن لابد من الإشارة إلى أن النكاح وغيره من الأعمال الدنيوية والأخروية ، قد تتزاحم ، وأن الناس تتفاوت هممهم وقدراتهم في الحياة ، من أجل ذلك فإن بعض العلماء ترك النكاح وبعضهم أجله ، فممن ترك النكاح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد مات ولم يتزوج لانشغاله بالعلم والدعوة ، وممن أجله لحين شعر أنه لم يعد يعوقه عن ما هو أهم : إمامنا ابن حنبل فقد ثبت عنه قوله : ( تزوجت وأنا ابن أربعين سنة )(1)، وليس فيما ذكرنا ما ينكر ، وليس فيه معارضة لحثه - صلى الله عليه وسلم - على النكاح ، وإنكاره على من تركه ، لأن إنكاره ذاك كان على من ترك النكاح ظنا منه أنه يعارض العبادة والخوف من الله والتقوى ، ففيه مشابهة للنصارى ، وفيه تنزه عما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - فلهذا غضب وأنكر عليهم ، وأما من تركه لشغله عنه أو لمعرفته أن النكاح يعيقه عما هو أهم فليس في ذلك محذور ، ومن الناس من رزقه الله من المال والقوة النفسية ما يجعله يتحمل مؤنة النكاح ولا يشغله ذلك كثيرا عن العلم والدعوة ، ومنهم من لم يرزقه الله ذلك ، فنكاحه سيأخذ من وقته في طلب الرزق ورعاية الزوجة والأبناء شيئا كثيرا يضن به في غير علم أو دعوة ، فلذلك يترك النكاح أو يؤجله لحين يقدر الله تعالى ذلك .
- - - - -
صفحة ١١