قال المروذي : ( ذكر لأحمد رجل يريد لقاءه فقال : أليس قد كره بعضهم اللقاء ، يتزين لي وأتزين له )(1)، ومراده رحمه الله بالتزين : لقاءات الشهرة وإظهار الفتوة ، وكثير من مجالسنا للأسف هي من ذلك النوع الذي كرهه أبو عبدالله ، يلتقي طلاب العلم إلا من رحم الله يتزين كل واحد منهم للآخر فيظهر ما يحسن من العلم لا رغبة في الفائدة وإنما هو استعراض للعلم فقط ، بل يخرج بنا الحال أحيانا إلى التكلف وإظهار خلاف ما نبطن ، نسأل الله أن يهبنا الإخلاص والصدق في معاملته .
أدبه وعقله
قال أبو عبدالله البوشنجي : ( ما رأيت أجمع في كل شيء من أحمد بن حنبل ، ولا أعقل منه )(2).
وقال أحدهم : ( اختلفت إلى أبي عبدالله ثنتي عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده فما كتبت عنه حديثا واحدا ، إنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه )(3).
ومن جميل أدبه حتى في وقت شدته ، أنه لما أحضر في مجلس المعتصم للمناظرة لم يتكلم حتى قال : ( أتأذن لي في الكلام )(4) ففيه أن الشدة لم تنسه الأدب في الحديث ، وأنه لابد من استئذان صاحب المجلس لمن أراد أن يتكلم ، كما أن فيه توقير السلطان والأدب في كلامه ، مع أنه رحمه الله من أشد الناس مباعدة له ومباينة لطريقته المحدثة ، ولم يتخذ ذلك حجة وذريعة لإسقاط هيبته في أعين الناس والكلام فيه بغير ضابط أمام العامة والخاصة .
ولم يكن في مجلس السلطان ضعيفا مع ما كان فيه من الشدة ، بل حكى عن نفسه أنه كان إذا جادلهم يعلو صوته على أصواتهم(5) ، نعم أنطقه الحق ورفع صوته .
صفحة ١٣