فأجرىَ لها الإشفاقُ دمعًا موَردًا ... من الدّمِ يجري فوْقَ خدّ موَرَدِ
هي البدرُ يدْنيها توَدّدُ وجْهها ... إلى كلّ من لاقتْ وإن لم توَدَدِ
وفيها يقول:
ولكنّني لم أحوِ وفرًْا مجمعًا ... وفُزتُ بهِ إلاّ بشملٍ مبّدد
ويم تعُطني الأيامُ نوْمًا مسكنًا ... ألذُ بهِ إلاّ بنوْمٍ مشرًدِ
وطولُ مقُام المرْء في الحيّ مخلقُ ... لديباجتَيْهَ فاغتَرِبْ تتَجَددِ
فإنّي رأيتُ الشمسَ زيدتْ محبةً ... إلى أن ليستْ عليهم بسْرمدِ
فقال أبو الطيب: أما قوله) فاغتربْ تتجددِ (فمن قول لقيطُ ابن زرارة:
ومَنْ أدْمَنَ المشْواةَ في الحيّ أخلقا
وقال: قوله) فإني رأيتُ الشمسَ (من قول كثيرَ: ولَوْ لم تغبْ شمسُ النهارِ لملّتِ وقلت له: ومن لك بمن يلفظ بمثل هذا ويستطيعه، أو يأخذ معنى فيكسوه معرضًا أنيقا، ويسبكه يعذب مشربه، ويستبهم على القرائح مراده. وقلت: وفيها يقول:
وقَد كانتِ الأرْماحُ أبصرْنَ قلبهُ ... فأرْمَدهاَ سترُ القضاء الممًددِ
وإني لأرْجو أنْ تقلد جيدهُ ... قلادَةَ مصْقولِ الذُبابِ مُهندِ
منُظمةً بالموتِْ يحظَى بحَليها ... مقُلدها في الناسِ دونَ المقلدِ
فقال أبو الطيب: وهو القائل:
فضَربْتَ الشَتاءَ في أخذَ عيه ... ضَرْبةً غادَرَتْهُ عَودًا رَكُوباَ
فقلت له: وهو القائل مبتدئًا هذه الكلمة:
من سَجايا الطُولِ ألاّ تجُيباَ ... فصَوابُ من مقلةٍ أنْ تصوباَ
وهذا من أحسن ابتداء، وفي تشبيبها يقول:
أكثرَ الأرضِ زائرًا ومزُورًا ... وصَعودًا من الهَوىَ وصَبوباَ
وكَعابًا كأنمّا ألبْستهاْ ... غَفَلاتُ الشّبابِ برْدًا قشيباَ
بينَ البَينُ فقْدَها قلّما تعْرفُ ... فقدًا للشمسِ حتى تَغيبًا
وفي مديحها يقول:
سَبقَ الدّهرَ بالتلادِ ولم ينْتظر ... النّائباتِ حتى تنوباَ
وإذا ما الخطوبُ أعفتْهُ كانتْ ... راحَتاهُ حَوادثًا وخُطُوباَ
فقال أليس هو القائل:
مُستسْلمُ لله سائسُ أمةٍ ... لذوي تجَهضُمها لهُ استسلامُ
لو أنه قذف كبده كان أولى من قوله:) تضجَهْمها (فقلت له: الرواية في هذا البيت) لذَوي تكبّرها (والتجهضم أخذك الشيء ببَغي، ولذلك سمىّ الأسد جهضمًا، وهذه القصيدة يقول:
أتحَدّرَتْ عَبَرَاتُ عَينكَ أن دعتْ ... ورْقاءُ حينَ تصَعصعَ الإظلاْمُ
لا تنْشجنّ لها فإن بكاءها ... ضَحكُ وإنّ بكاءكَ استغرامُ
هنّ الحَمامُ فإنْ كَسْرتَ عيافةً ... منْ حائهِنّ فإنهنّ حمامُ
وهذا بكل شيء قاله محدث. وفيها يقول:
بالشدْقَمياتِ العتاقِ كأنّما ... أشباحهاُ بَينَ الإكام إكامُ
أوْريْتَ زَنْدَ عَزائمٍ تحتَ الدُجى ... أسرجنَ فكركَ والبلادُ ظلامُ
فنَهَضْتَ تَسحبُ ذَيلَ جيشِ ساقه ... حُسنُ اليقَينِ وقادهُ الإقْدامُ
مشْعنجرٍ لجبٍ تَرىَ سلافّهُ ... ولهمْ بمنخرقِ الفضاء زِحامُ
ملأ المَلا عُصبًا وكادَ بأنْ يرَى ... لا خَلْفَ فيهِ ولا لهُ قُدامُ
بسواهمٍ لحقُ الأياطلِ شُزًبِ ... تَعْليقها الإسراجُ والألجامُ
مُسْترسلينَ إلى الحتوفِ كأنّما ... بَينَ الحُتوفِ وبينهمْ أرحامُ
آسادُ غيلٍ مخدرِات ما لها ... إلاّ الصوّارم والقناَ آجامُ
والضْربُ يعقدُ قَرمْ كتيبةٍ ... شَرِسَ الضريبةِ والحتوفُ قيامُ
فقصمْتَ عرُوْةَ جمْعهم فيهِ وقد ... جَعلتْ تفصًمُ عن عراها الهامُ
ثم قال فيها:
متُوَطئو عقبيكَ في طلبِ العلى ... والمَدِ ثمّتَ تستوي الأقدام
فأخذ البحتري هذا فقال:
حزْتَ المدى سبقًا وصلىّ ثانيًا ... ثمّ استوتْ من بعده الأقدامُ
ومن هاهنا أخذت يا أبا الطيب قولك:
) رأيْتُ عليًّا وابنهُ قوْمهِ ... وهمْ خيرُ قومٍ واستوىَ الحرُ والعبدُ (
وقلت في موضع آخر:
) يشْتبهُالمَخدومُ والخدَمُ (
فقال أبو الطيب: قد أخطأ في قوله) كاد بانْ يرى (لأن المسموع من كلام العرب:) كاد يفعل (. فقلت: قد جاء لبعض الشعراء في وصف طريق:
قدَ منْ طولِ البلىَ أنْ يمصحا
1 / 46