وإذا جعلت) كاد (بمعنى) أراد (حسن دخول) أن (كما قال:
كَادتْ وكدتْ وتلْك خَيرُ إرادةٍ ... لوْ عادَ منْ وصلْ الحبيبةِ ما مضى
فقال: قد أخذا قوله: تعَليقهاُ الإسراجُ والإلجامُ من قول الأول:
تُرادُ على دمنْ الحياض فإن تعَفْ ... فإن المندىّ رِحلةُ فرَكُوبُ
فقلت له: هذا وإن كان آخذًا على ما ذكرت، احسن من المأخوذ منه وأكشف للمعنى. قال: فأن الأعشى قد قال:
وفلاةٍ كأنها ظهرْ ترسٍ ... ليسَ إلاّ الرّجيعَ فيها علاقُ
فقلت له: وهذا أيضًا غير مكشوف كل الكشف، والسراج والإلجام أفصح وأوضح. فقال: أبو تمام الذي يقول:
ولىّ ولم يَظلمْ وهل ظلمَ امرؤُ ... حثّ النجاءَ وخلْفهُ التنينُ
أرأيت إنسانًا شبه بتنين؟ وإنما أراد قول كثير:
يقُلًبُ عَيْنيْ حَيةٍ بمحاَرةٍ
أو قول الأخطل:
ضَفادعُ في ظلَماء ليلٍ تجَاوَبَتْ ... فَدلُ عَليَها صوَتُها حَيُةَ البَحرِ
وهذا مذهب في المدح لم تزل ملوك بني أمية تتعلق به على شعرائها، وتنعاه في مداحها. فقلت له: يُتَسمح له بذلك لقوله:
جادَتُ عَليها من جَماجمِ أهلِها ... دِيمُ أمارتها طُلًى وشُؤونُ
بَحرُ من الهَيجاءِ يهفُو ما لهُ ... إلا الجماجم والضُلوعَ سفَيِنُ
مَلِكُ تضِيء المَكرماتُ إذا بدا ... لمُلكِ منُهُ غُرةُ وجَبِينُ
لانتُ مهَزتُهُ فَعزُ وإنما ... يشَتَد مَنُ متَنُ الرمحِ حينَ يلَينُ
فتركُتَ أرشَق وهَيَ يُدعى باسمها ... صم الصفا فتَلينُ منهُ عَيُونُ
لاقاكَ بابَكُ وهوَ يزُأرُ فأثنى ... وزَئيِرُهُ قد عادً وهوَ أنيشنُ
ورَجا بلادَ الرومِ فاستَعصَى بهش ... أجلُ أصمُ عنِ النُجاء حَرُونُ
فقال: هو الذي يقول
كانُوا رِداء زَمانِهِمُ فتَصدَعوا ... فكأنما لَبِسَ الزمانُ الصُوفَا
فقلت هو الذي يقول في هذه القصيدة:
يا منَزِلًا أعطى الحوادِثَ حُكمهَا ... لا مَطْلَ في عدةٍ ولا تسْويفاَ
أرْسىَ بناديكَ الندى وتَنفسَتْ ... نَفسًا بعَقوتكَ الرّياحُ ضعَيفاَ
شُعفَ الغَمامُ بعرْصَتيكَ وربّما ... رَوّتْ رُباكَ الهائمَ المشعُوفاَ
وفيها يقول:
أيامَ لا تسطوُ بأهلْكَ نكبةُ ... إلا تَراجعَ مصَرُوفاَ
وإذا رَمتَكَ الحادثاتُ بلحظةٍ ... رَدّتْ ظُباتكْ طرْفهاَ مطرُوفاَ
وفيها يقول:
إن غاضَ ماءُ المزْنِ فضْتَ ... كبدُ الزّمانِ علي كُنتَ رؤَوفا
فقال أبو الطيب: وهو الذي يقول:
تسعونَ ألفًا كآسادِ الشرىَ نضجَتْ ... جلوُدُهم قَبل نضْجِ التّينِ والعنبِ
فقلت له: لهذا البيت نبأ أوجب قوله، ولو استقريته لما استجزت الطعن على قائله. ولو شاء قائل أن يقول: إنه لم تفتح قصيدة بأوجز ولا أخصر من قوله:
السّفُ أصدْقُ أنباءً منَ الكتُبِ ... في حَدهِ الحدُّ بَينَ الجدِّ واللعبِ
لما عنف. فقال أليس هذا من قول الأول:
فلا تُكْثروا فيهِ الضجاجَ فإنهُ ... محاَ السيفُ ما قال ابن دارةُ أجمعاَ
فقلت: الأمر على ما ذكرته، وقد احتذيتَ هذا المعنى من أبي تمام فقلت:
) وهل تغُني الرّسائلُ في عدُوٍ ... إذا ما لم يكُن ظبيّ رقافاَ (
وقلت: في هذه القصيدة يقول أبو تمام:
بكْرٌ فَما افتَرعتها كفُ حادثةٍ ... ولا ترَقتْ إليهاَ همةُ النوَبِ
رَمىَ بكَ اللهُ بُرْجيْها فهدّمَها ... ولوْ رَمىَ بكَ غُيرُ الله لم يُصب
فقال: أما هذا في كتابكم؟ فكفر لعنه الله) وَماَ رَميْتَ إذْ رَمَيْتَ ولكنّ الله رَمىَ (قلتُ: وفيها يقول:
فَتحٌ تَفَتحُ أبوابُ السّماء لهُ ... وتَبرزُ الأرضْ في أثوابها القُشبِ
لم يَغزُ يوْمًا ولم ينهدْ إلى بلدٍ ... إلاّ تقَدّمهُ جيشُ من الرُعُبِ
لمّا رأى الحُبَ رأيَ العينِ تُوفلسٌ ... والحرْبُ مشُتقةُ المعنى من الحرَبِ
فقال أليس هذا من قول النابغة الجعدي:
ونَستْلبُ الدُهْمَ كانَ ربهُا ... ضَنينًا بها والحرْبُ فيها الحَائبُ
قلت: وفيها يقول:
بَصُرْتَ بالرّاحةِ الكُبَرى فلم تَرهاَ ... تُنالُ إلاّ على جِسرٍ من التَّعبِ
1 / 47