ريع من الروع. فما ابعد هذا الكلام من الإحسان، وأشد مباينته للبيان وأدله على ضيق عطن قائله، وعلى فساد تخيله وما أحسبه سمع قول منصور النمري:
أجدَك هل تدرينَ أنْ رُبّ ليلةٍ ... كأنً دُجاها من قُرُونكِ يُنشَرُ
صَبَرٌتُ لها حتى تَجَلٌتٌ بغُرةٍ ... كغُرةِ يحيى حينَ يذٌكرُ جَعفرُ
ولا طالع قول محمد بن وهيب:
ما زالَ يلٌثمنٌي مرَاشفَهُ ... ويعِلني الإبريقُ والقَدَحٌ
حتى استَردَ الليلُ خلعتهْ ... وبدا خلالَ سوَادهِ وضَحُ
وبدا الصباحُ كأنّ طلعَتهِ ... وجهُ الخليفةِ حينَ يمتدحُ
ولا قول البحتري يصف دارًا:
ولو أننّي أعطيتُ فيهنّ المنىُ ... لسَقيتُهنُ بكفّ إبراهيما
وقد أخذت هذا فقلت:
) سقىَ مثواكِ غادٍ في الغوادي ... نظيرُ نوالَ كفكِ في النَوالِ (
ولا قوله:
وقاسَينَ ليلًا دونَ قاسانَ لم تكدْ ... أواخرُهُ من بعدِ قُطريهَ تلحقٌ
بحيثُ العطايا موُمضاتٌ سوافرٌ ... إلى كل عافٍ والمواعيدٌ فُرّقٌ
ولا قوله:
شقائِقٌ يحملنَ الندَى فكأنهُ ... دموُعُ التصابي في خدودِ الخَرائدِ
كأن يدَ الفتحِ بنِ خاقانَ أقبلتْ ... تليها بتلكَ البارقاتِ الرّواعدِ
بلى قد قرأت هذا، فإنك أخذت المعنى فيه فقلت:
) ردّي الوِصالَ سقى طولَك عارضُ ... لو كانَ وصْلكِ مثلهَ ما أقْشعاَ (
) زَجلًا يريكِ الجوّ نارًا والملاَ ... كالبحرِ والتلعاتِ روضًا ممرعاَ (
) كبَنان عَبدِ الواحد الذي ... أروى وآمنَ منَ يشاءُ وأجزَعاَ (
ومن أحسن الخروج قول أبي تمام:
إساءةَ الحادثاتِ استنبطي نَفقاَ ... فقد أظلكِ إحسانُ ابن حَسانِ
وقوله:
فَعَلَتْ مقُلتاهُ بالصبّ ما تفْعلُ ... جدوْىَ بدَيْكَ بالآمالِ
وقوله:
لا تنكري عطَلَ الكريمِ من الغنيِ ... فالسُيلٌ حَربُ للمكانِ العالي
وتنظَري خنَببَ الرَكابِ ينٌصهاّ ... محييُ القريضِ إلى مميتِ المالِ
بَسَطَ الرجاءَ لنا برغَمِ نوائبٍ ... كَثرتْ بهنّ مَصارع الآمالِ
أغلى عذاريَ الشَعرِ أنْ مُهوُرها ... عندَ الَكريمِ إذا رَخُصْنَ غَوالي
ومن مستغلق كرمه وجافي تشبيبه قوله:
) إذا عذَلوا فيها أجَبتُ بأنهُ ... حُبيبتاَ قلبيَ فؤادا هيا جمْلُ (
ومن الغلق المستغلق قوله:
) أرْضُ بها شرَفُ سواِها مثلهاُ ... لو كانَ مثلكَ في سواها يوُجدُ (
يقول: إن لهذه الأرض التي شرفًا بحلولك إياها، ولو ألقي مثلك في أرض أخرى غيرها لكانت مثل هذه. قوله:
) مَنْ في الأنامِ من الكرامِ ولا تقلُْ ... من فيك شأنُ سوى شجاعٍ يقصدُ (
يريد: لا تقل من فيك يا شأم بل من في الأنام أجمعين من يقصد. ومن المستغلق فيها قوله:
) أتى يكون أبا البرِيةِْ آدمُ ... وأبوكَ والثَقلانِ أنتَ مَحمدُ (
تقدير الكلام: كيف يكون آدم أبا البرية وأبوك محمد وأنت الثقلان. وربما يريد أنت الأنس والجن، وآدم واحد من الإنس، وأبوك محمد، فكيف يكون آدم أبا البرية؟ وقد فصل بين المبتدأ الذي هو) أبوك (وبين الخبر الذي هو) محمد (بالجملة التي هي قوله) والثقلان أنت (، وهذا تعسف شديد، ومذهب عن الفصاحة بعيد. ومن المستعجم المبهم قوله:
) وكمْ وكم حاجةٍ سمحتَ بها ... أقربُ مني إليَ موْعدها (
وهذا من مستهجن الكلام، ومستكره التركيب. وإنما ذهب إلى مصر عمر موعده، وقرب وعده في إنجازه، فأساء العبارة عن هذا المعنى كل الإساءة. ومن هذا الجنس قوله:
) وأبعدَ بٌعدناَ بعُدَ الّتدّاني ... وقرَب قرْبناَ قربَ البعادِ (
يقول: أبعد ما كان بيننا من البعد فجعله كبعد التداني الذي كان بيننا، وقرب قربنا فجعله مثل قرب البعاد كان بيننا، ذهب إلى أن قربه إليه كان بحسب ما كان بينه وبينه من البعد.
ومن أسوأ العبارة قوله يصف فرسًا:
) سَبوحُ لها منها عليهاَ شَواهدُ (
وقوله:
) اخترتُ دَهماءَ تَين يا مطرُ ... ومنْ له في الفواضلِ الخبرُ (
1 / 15