51

قصر الدوبارة هل أتاك حديثنا

فالشرق ريع له وضج المغرب

وعنه يتحدث حين قال:

وما دام في قصر الدوبارة ربه

فسعد ودنلوب لعمرك واحد

وعلاقته البعيدة بمدارس الشعر تظهر في منظومات أناس، بلغ من قحة أحدهم أن يسمي قصائده بالكرومريات معارضا بها «الشوقيات». •••

ولولا أن عاملا جديدا ظهر في الوسط - وهو عامل الحركة الوطنية - لكان مجال المؤامرات القلمية بين قصر عابدين وقصر الدوبارة أوسع من كل مجال آخر، بلا استثناء لمجاله الأكبر بين يلدز وعابدين، ولكن ظهور هذه الحركة تحول بأصحاب الأقلام إلى معركتها الصريحة في الصحف وعلى منابر الخطابة، ولم يترك للشئون الديوانية من الجانبين غير «إجراء إداري» في يد الإنجليز لصرف الأقلام عن الكتابة السياسية، وإجراء إداري آخر في يد الخديو لصرفها عن الصحافة «المشاغبة» عموما إلى ديوان الأوقاف، فكان نفوذ المستشارين وراء تشجيع المجلات العلمية والأدبية، باشتراك الوزارات في مئات النسخ من أعدادها الشهرية أو نصف الشهرية، وكان نفوذ الخديو وراء تعيينات الأدباء الكبار والناشئين بديوان الأوقاف ، ومنهم محمد المويلحي كاتب «مصباح الشرق» و«عيسى بن هشام»، وأحمد الأزهري صاحب مجلة «الأزهر»، وعبد العزيز البشري ابن شيخ الإسلام، ومعهم أدباء آخرون لم يكن للخديو يد مباشرة في تعيينهم بالديوان، ولكن تعيينهم هناك شغلهم بالشعر عن الكتابة الصحفية، وجعل من بعضهم شعراء يتسابقون إلى نظم المدائح الخديوية في مناسبات المواسم والأعياد. •••

وانتهت بانتهاء العلاقة بين مصر والدولة العثمانية مدرسة الكتاب والأدباء، الذين كانوا يضعون قدما في هذا البلاط أو ذاك وقدما أخرى في بلاط صاحبة الجلالة، ونشأ الجيل الجديد من الكتاب والشعراء في الهواء الطلق، أو في جو الحركة الوطنية بما اشتمل عليه من نواح وأطراف، تارة إلى القصور وتارة عليها في صف المعسكر الجديد، وهو معسكر الأمة بنواحيه وأطرافه التي أشرنا إليها.

انتهت تلك المدرسة من أصحاب الأقلام، ولم تنته مؤامرات القصر «القلمية» من طرف واحد أو من كلا الطرفين، وقد كانت المصروفات السرية بعض وسائل القصر الخديوي لاصطناع الأنصار ومحاربة الخصوم، ولم تكن كلها تصرف في خدمة السياسة الخديوية أو مطامع الخديو الشخصية، ولكنها كانت كلها تصرف فيما يرضي الموكلين بتوزيعها على محرري الصحف والمشتغلين بالأدب المنظوم والمنثور، وبعضهم كان من كبار موظفي القصر، وغيرهم كانوا من سماسرة الرتب والنياشين غير الموظفين، وربما استعين بأموال الخاصة لهذا الغرض إذا خيف انكشاف الأمر لديوان الرقابة على الميزانية.

وإلى عهد غير بعيد كان لأموال الخاصة - مع المصروفات السرية - عمله في اصطناع المحررين والمؤلفين لتعبئة المعسكر «القلمي» حول دعوة الخلافة تارة، وحول الخصومات الأدبية التي تعني القصر تارة أخرى.

صفحة غير معروفة