قبر الشيخ الصالح القدوة فرد زمانه أبي مدين (1) رضياللهعنه ، ورزقنا بركته وعليه رباط مليح مخدوم مقصود ، والدائر بالبلد كله مغروس بالكرم وأنواع الثمار ، وسوره من (2) أوثق الأسوار وأصحها ، وبه حمامات نظيفة ، ومن أحسنها ، وأوسعها ، وأنظفها ، حمام العالية (3)، وهو مشهور ، قل أن يرى له نظير. وهذه المدينة بالجملة ذات منظر ومخبر ، وأنظارها متسعة ، ومبانيها مرتفعة ، ولكنها مساكن بلا ساكن ، ومنازل بغير نازل ، ومعاهد أقفرت من متعاهد ؛ تبكي عليها فتنسكب الغمام الهمع (4)، وترثي لها فتندب الحمام الوقع. إن نزل بها مستضيف قرته بوسا ، أوحل فيها ضيف كسته من رداء الردى لبوسا.
وأما العلم فقد درس رسمه في أكثر البلاد ، وغاضت أنهاره فازدحم على الثماد (5). فما ظنك بها وهي رسم عفا طلله ، ومنهل جف وشله (6)، وقد حضرت بها مدرسا مذكورا عندهم يقرأ عليه باب التوكيد من «الجمل» (7)
صفحة ٤٩