تأملات في مماثلة المؤمن للنخلة
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة التاسعة والعشرون. العدد السابع بعد المائة. (١٤١٨/١٤١٩هـ)
تصانيف
وقد بدأه الله بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا﴾ .
أي: ألم ترَ بعين قلبِك فتعلمَ كيف مثّل الله مثلًا وشبّهه شبهًا للكلمة الطيّبة كلمة الإيمان، وختَمَه بقوله: ﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ .
أي: أن القصد من ضرب هذا المثل وغيرِه من الأمثال هو تذكيرُ الناس ودعوتُهم إلى الاعتبار وعقلِ الخطاب عن الله.
ولا شك أنَّ هذا البدء والختم في الآية فيه أعظم حَضٍّ على تعلُّمِ هذا المثل وتَعَقُّلِه، وفيه دلالة على عِظم شأن هذا المثل المضروب، كيف لا وهو يتناول بيان الإيمان الذي هو أعظم المطالب وأشرف المقاصدِ على الإطلاق.
وعندما نتأمّل هذا المثل العظيم نجِدُ أنَّ الله ﵎ ذَكَر فيه مُمثَّلًا له، ومُمثَّلًا به، ووجهَ المثلية بينهما، فالممثَّلُ له هو الكلمة الطيّبة، والممثَّلُ به الشجرة الطيّبة، ووجه المثلية هو كما قال الله: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾، فشبَّهَ ﵎ كلمةَ الإيمان الثابتة في قلب المؤمن وما يترتّب عليها من فروع وشُعب وثمار بالشجرة الطيّبة الثابتة الأصل الباسقةِ الفرع في السماء علوًّا، التي لا تزالُ تؤتي ثمراتها كلَّ حين، ومن يتأمّل في المُمثّلِ به وهو الشجرة الطيّبة، والممثّل له وهو كلمة الإيمان في قلب المؤمن وما يترتّب عليها من ثمارٍ يجدُ أوصافًا عديدةً متطابقة بينهما، وقد أُشيرَ إلى بعضها في الآية كما تقدّم.
ولذا يقول ابن القيّم ﵀: "وإذا تأمَّلتَ هذا التشبيه رأيتَه مطابقًا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب، التي فروعُها من الأعمال الصالحة صاعدةً إلى السماء، ولا تزال هذه الشجرة تُثمر الأعمال الصالحة كلَّ وقتٍ، بحسب ثباتها في القلب، ومحبَّة القلب لها، وإخلاصِه فيها، ومعرفتِه بحقيقتها، وقيامه بحقوقها، ومراعاتِها حقَّ رعايتها، فمَن رسخت هذه الكلمة في قلبه
1 / 199