فإن قلت : إن لفظ هاتين الآيتين عام وقد دخله التخصيص يكون الله غير مخلوق وهو شيء، فلم لا يجوز أن يخرج من عكوم لفظه القرآن وله في ذ لك نظائر؟ منها قوله تعالى في حق بلقيس { وأوتيت من كل شيء } (¬1) . فظاهره أنها أوتيت من جميع ما نأى وما دنا، وليس كذلك بل هو عموم أريد به الخصوص. ومنها قوله تعالى في ريح عاد { تدمر كل شيء } (¬2) ومن المعلوم لم تدمر السماوات السبع والأراضين السبع والجبال والبحار وغير ذلك . فلفظ الآية عام أريد به التخصيص،فكذلك قوله تعالى { خالق كل شيء } وقوله { إنا كل شيء خلقناه بقدر } .
فأقول مجيبا لك عن هذا الإعتراض: إنه ورد التخصيص لآية بلقيس ولآية ريح عاد. فأما التخصيص لآية بلقيس فهو من العقل لأنه لا يخطر بعقل إنسان أنها أعطيت من الأشياء التي وجدت قبلها فعدمت ولا من الأشياء التي وجدت بعدما عدمت هي . فإن الضرورة قاضية بأن المتأخر (¬3) وجودا لا يملك المتقدم وجودا، إذا عدم قبله ولا يملك ما وجد بعد عدمه. وأما التخصيص لآية الريح، فهو أن الحس قد شاهد السماوات والأراضين والجبال وغيرها غير مدمرة، وهي أشياء، فقضى العقل لوجود هذه المشاهدة بتخصيص تلك الآية كما قضى بتخصيص آية بلقيس، ولا مخصص لقوله تعالى { خالق كل شيء } ، بل العقل يمنع وجود موجود ثالث هو غير خالق وغير مخلوق لما قدم من الدليل القاطع على أن الأشياء الموجودة إما خالق وإما مخلوق. وقد قام البرهان أيضا بوحدانية الخالق، فهذا حكم العقل مؤكد لعموم { خالق كل شيء } لا مخصص له .
فإن قلت: قد خرج عن عموم الآية بعض الأشياء وهو الله عز وجل، لأنه غير مخلوق وهو شيء.
قلت: قد أجاب المصنف عن هذا الإعتراض بما سيأتي:
صفحة ١٠٤