يوجد، أو وجد فيما مضى ثم عدم، ولكن يصح في العقول السليمة وجوده وعدمه (¬1) ولا يستحيل عليه أحد الطرفين . فوجوده هو المسمى بالجائز العقلي لتجويز العقول السليمة كلا طرفي الوجود والعدم فيه، وذلك الذي تجوز العقول وجوده وعدمه هو كالمخلوقات جميعها، وكالقرآن والتوراة والإنجيل والزبور ونحوها، وكداري الجزاء في الآخرة وهذه كلها حادثة لا يجوز أن يقال بقدم شيء منها. والدليل على أنها من الممكن وجوده وعدمه أو على أنها حادثة تنقلها من حالة إلى حالة أخرى كتنقل القرآن من اللوح إلى سماء الدنيا ومنها إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، ومنه إلى صدور الذين أوتوا العلم { بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ } (¬2) { إنا أنزلناه في ليلة القدر } (¬3) { نزل به الروح الأمين على قلبك } (¬4) { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } (¬5) وهذا التنقل هو عين التغير، والتغير دليل الحدوث وانتفاء القدم. وكل ما كان حادثا غير قديم فهو (¬6) جائز الوجود لا واجبه.
ودليل آخر على حدوث هذا الذي ذكرناه، أن جميع ما ذكرناه لا يستطيع لنفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرا، وهذه صفة عاجز مقهور وكل عاجز فهو محدث غير قديم وكل محدث فهو جائز الوجود .
صفحة ٩٢