ليعتدل ويسكن ، ذلك تقدير العزيز العليم .
34 - فالمعلول فرع لعلته بوصفنا هذا ، والعلة أصل لمعلولها ، وحركة التأليف لا يمكن أن يكون منها التضاد القائم بينهما ، فهي من محرك غيرهما ليس مثلهما لا محالة . فالمعلولات ، كما فسرنا ، كناية لأجل العلل الأول التي اضطرت إلى فعل معلولها ، والعلل الأول الباعثة بما جعل في طبعها لكون كل معلول موضوعات لمنفعلاتها ، وليست العلل بعد ، إذ هي النهاية من [ كل ] شيء ، سوى العدم الذي هو اسم ناف لكل شيء من وهم أو لفظ . ومن قال كقول يعقوب بن إسحاق إنها من أجل ( 97 ظ ) الباري ، تعالى عن ذلك ، فالباري عز وجل ليس شيء أولى به من شيء ، إلا أن الأول لا يكون إلا عن سبب معلوم أنه لا موضوع هو لشيء يكون من أجله انفعال ذلك الشيء ، فقد نقض قوله إنه لا موضوع إذن ، والباري عز وجل ليس شيء أولى به من شيء ، لأن الأولى لا يكون إلا عن سبب متقدم يوجب له أن يكون أولى ، فهو مطلق الاختيار عز وجل تام الغنى .
35 - فرأس العلم وقطبه وذروته العليا أن تعلم أنه ليس شيء من المعلولات كائنا إلا لعلة موضوعة ، وضعها من تعالى عن أن يكون علة أو معلولها ، ولكن كل شيء كان فلعلة موضوعة كان ، وجب عند الله عز وجل أن يكون المعلول من أجلها كائنا لأن الله عز وجل تعالى وتقدس وتنزه وارتفع عن أن يضع نفسه ليكون من أجله شيء ، لأن الخالق لا يعود مخلوقا والموضوع مخلوق ، ولكنه القادر على أن وضع ما من أجله كان كل شيء ، فتعالى ذو الكبرياء والعزة والعظمة والجلال عما يقول الملحدون في أسمائه ، خطأ وعمدا ، علوا كبيرا .
36 - وإنما دخل الغلط على الكندي على ما قال ، لأنه نزه الباري زعم - أن يكون خلق الخلق من أجل غيره ، فظن أنه إن أوجب ذلك وجب أن ذلك الغير سابق له ومستحق للقبل قبله ، فاعجب كيف طمس عليه عقله ، فإذا لم يجد صحيحا أن يكون فعل من أجل إنيته ولا من أجل غير قبله ، أن يقول فعل من أجل شيء بعده فيصيب ، فنعوذ بالله من العمى عن الهدى والضلال عن الحق والزيغ عن الطريق المستقيم .
صفحة ٣٧٥