المعقول ، لأن ما لا يعقل فصله دائر غير قائم ، لأن الفصل هو الحق المبين له في العقول ، فإن لم يكن الحق فقد بطل ما قارنه الحق ، لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال .
32 - واعلم أن الحق الأول الرب الأعلى المحقق للحق ، الفاصل لكل شيء مرتفع عن أن يقال بالحق حق ، كما حق بالحق غيره ، لأنه المحقق للحق الذي حقت به الأشياء ، ولو وجب أن يكون المحقق للحق بالحق حق أعني قبل الحق - لوجب أن يكون المكون للكون بالكون تكون ، وهذا رأس المحال ، وهو الذي أحق الحق الأكبر وأحق به الأشياء ، فأثبتها وأبانها به ، فمحال أن تكون حقت بالحق حقيقته ، بل ( 97 و ) ويحق عندنا بالحق على معنى الدلالة عليه أنه الحق المبين ، لأن كل ما حقت إنيته بشيء ، فذلك الشيء قبل إنيته ، فافهم .
33 - ومن الزيادة في إيضاح قولنا في العلة والمعلول أنا نقول : إن الباري عز وجل خلق المعلولات على ما هي عليه من الإتقان والإحكام والثبات باضطراره للعلل التي وجبت المعلولات من أجلها واضطراره إياها . وهذا قول صحيح جدا . ألا ترى المركب المعلول المنضد ذا أجزاء لا محالة بعضها مخالف في الطبع لبعض : حار وبارد ، ورطب ويابس ، وثقيل راسب ، وخفيف طاف ، ومتوسط بينهما شبيه بالطرفين كليهما ، وشديد غاية ضعيف بتة ، ومتوسط بينهما قد توسط بين طرفيهما مما يلي الشديد شديد ليس كشدة الأشد ، ومما يلي الضعيف ضعيف ليس كضعف الأضعف ، فأنت لو طلبت سوى الأربعة بجهدك وجهد غيرك لم تجده بتة في شيء من العالم . فيحق ما قلنا على المعلولات إنها فعل الله تعالى باضطرار العلل لبعضها ، لأنا نرى الأربعة في المعلول المركب مبنية بوزن العدل ، قائمة بالإتقان لما يجب على ما يجب عند دفع العلل من أماكنها في الفصل المراد للمعلول . فالأثقل الراسب منها تجده في المعلول قد نزل في الحضيض الأسفل حاملا لسواها ، كالماء الذي هو في الأسفل من العالم الأكبر ، وكذلك هو في العالم الأصغر ، وكذلك هو في النبات والحيوان الكلي . والأخف الطافي تجده لا محالة في الأعلى من العالم الأكبر وفي كل شيء سواه . والمتوسط بين الطرفين قائم لا محالة باعتدال موزون ، فإن نزل فيه الجزء حامت ( 1 ) الأطراف عليه
صفحة ٣٧٤