كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
تصانيف
فإن قالوا: إن الله إنما فعل ذلك بذنوبهم ومعصيتهم، قيل: فإنه إنما عصى منهم نفر يسير وهم الرماة، نحو من خمسين رجلا، فقد عم ذلك البلاء جميع المسلمين(3)، حتى وصل إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فشج في وجهه وكسرت رباعيته، وقد كان المسلمون يوم أحد سبعمائة أو يزيدون، فأخبر الله أنه صنع ذلك بهم فأثابهم غما بغم، أفليس الله قد أراد أن يصيبهم ذلك بأيدي الكافرين، ولأن ينهزموا، وأن يقتل من قتل منهم؟ ثم أخبر أيضا بما صنع بهم بعد الذي كان منه إليهم من الغم، فقال: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء} [آل عمران: 154]، قال الله لنبيه: {قل إن الأمر كله لله} [آل عمران : 154]، ثم قال: {يخفون في أنفسهم مالا يبدون لك} [آل عمران: 154]، فأخبر عما أخفوا في أنفسهم، فقال: {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا} [آل عمران: 156]، يقولون: لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال الله تكذيبا لهم: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} [آل عمران: 154]، فأخبر أنه قد كتب القتل على قوم قبل أن يقتلوا، وجعل لهم مضاجع إليها يصيرون، ثم نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم، وأن يظنوا بالله كظنهم، فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} [آل عمران: 156].
وقال في غلبة الكافرين المؤمنين وهزيمة المؤمنين، فقال: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} [آل عمران: 140]، وقال: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا} [آل عمران: 166]، في آي كثيرة، يخبر أن الأمر كله منه، وهو يدبر أمر خلقه، ويصرفهم كيف يشاء. وأخبر أن الذي أصاب المؤمنين يوم أحد إنما كان بإذن الله؛ من قتل الكافرين إياهم وهزيمتهم لهم، حتى قتل منهم سبعون رجلا، وأنتم تزعمون أنه لم يأذن في المعاصي وأنها لا تكون بإذنه، ولكن الإذن قد يكون على معنيين: أما أحدهما فيكون أمرا منه يأمر به، والآخر يكون إذنا على وجه الإرادة، أنه أراد أن يكون، لأنه فعال لما يريد، ثم قد عير الذين قالوا لإخوانهم: {إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا} وكذبهم، وأخبر بما قد سبق منه لهم وما قد كتبه عليهم، وعبر الذين قالوا: {لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا} (فكذبهم الله بما قالوا من ذلك) (1).
صفحة ٣٨١