العقيدة الثانية:
ومن خواص يقين الأمة بأنها اشرف الأمم، وجميع من يخالفها على الباطل، أن ينهض آحادها لمكاثرة الأمم في مفاخرها، ومساماتها في مجدها، ومسابقتها في شرائف الأمور، وفضائل الصفات، وأن يتفق جميعها على الرغبة في فوت جميع الأمم، والتقدم عليها في المزايا الإنسانية، عقلية كانت أو نفسية، ومعاشية كانت أو معادية.
وتأبى نفس كل واحد عن إعطاء الدنية، والرضا بالضيم لنفسه، أو لأحد من بني أمته، ولا يسره أن يرى شيئا من العزة أو مقاما من الشرف لقوم من الأقوام، حتى يطلب لأمته أفضله وأعلاه.
ذلك أنه بهذا الاعتقاد يرى أبناء قومه أليق وأجدر بكل ما يعد شرفا إنسانيا، فإن جادت صروف الدهر على قومه فأضرعتهم (¬1) أو ثلمت مجدهم، أو سلبتهم مزية من مزايا الفضل، لم تستقر له راحة، ولم تفتأ له حمية، ولم يسكن له جيشان، فهو يمضي حياته في علاج ما ألم بقومه حتى يأسوه، أو يموت في أساه.
فهذه العقيدة أقوى دافع للأمم إلى التسابق لغايات المدنية، وأمضى الأسباب بها إلى طلب العلوم، والتوسع في الفنون، والإبداع في الصنائع، وإنها لأبلغ في سوق الأمم إلى منازل العلاء، ومقاوم الشرف، من غالب قاسر، ومستبد قاهر عادل.
وإن أردت فالمح بعقلك حال قوم فقدوا هذا اليقين.. ماذا تجد من فتور في حركات آحادهم نحو المعالي؟ وماذا ترى من قصور في هممهم عن درك الفضائل؟ وماذا ينزل بقواهم من الضعف؟ وماذا يحل بديارهم من الفقر والمسكنة؟ وإلى أى هوة يسقطون من الذلة والهوان، خصوصا إذا بغى عليهم الجهل، فظنوا انهم أدنى من سائر الملل، كطائفة «الدهير» و«مانك» ؟
العقيدة الثالثة:
ومن مقتضيات الجزم بأن الإنسان ما ورد هذا العالم إلا ليتزود منه كمالا يعرج به إلى عالم أرفع، ويحل به إلى دار أوسع، وجناب أمرع (¬2) ؛ ليمرع واديه وتجنى حلبه.
صفحة ٦