وإما أن يكونوا عارفين بصناعة الشعراء حق المعرفة حتى لايند عنهم خاصة من خواصها ولا قانون من قوانينها فى أى نوع شرعوا فيه، ويجودون التمثيلات والتشبيهات بالصناعة، وهؤلاءهم المستحقون اسم الشعراء المسلجسين.
وإما أن يكونوا أصحاب تقليد لهاتين الطبقتين ولأفعالهما: يحفظون عنهما أفاعيلهما ويحتذون حذويهما فى التمثيلات والتشبيهات من غير أن تكون لهم طباع شعرية ولا وقوف على قوانين الصناعة — وهؤلاء أكثرهم زللا وخطأ.
ونقول: إن ما يصنعه كل واحد من هؤلاء الطوائف الثلاث لا يخلو من أن يكون عن طبع، أو عن قهر، وأعنى بذلك أن الذى جبل على المدح وقول الخير فربما اضطره بعض الأحوال إلى قول بعض الأهاجى — وكذلك سائرها؛ والذى تعلم الصناعة وعود نفسه نوعا من أنواع الشعر واختاره من بين الأنواع ربما ألجأه أمر يعرض له إلى تعاطى ما لم يستخره لنفسه فيكون ذلك عن قهر: إما من نفسه أو من خارج. وأحمدها ما كان عن طبع.
ثم إن أحوال الشعراء فى تقوالهم الشعر تختلف فى التكميل والتقصير. ويعرض ذلك إما من جهة الخاطر، وإما من جهة الأمر نفسه. أما الذى يكون من جهة الخاطر فانه ربما لم يساعده الخاطر فى الوقت دون الوقت، ويكون سبب ذلك بعض الكيفيات النفسانية: إما لغلبه بعضها، أو لفتور بعض منها مما يحتاج اليها. والاستقصاء فى هذا الباب ليس مما يليق بهذا القول، وذلك تبين فى كتب الأخلاق وأوصاف الكيفيات النفسانية وما توجبه كل واحد منها.
صفحة ١٥٦