يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤]، ثم أعرض عنه، ولم يلتفت إليه، ولأن الرجل قد ينال بالرفق ما لا ينال بالتعنيف، كما قال النبي ﷺ: "إن الله رفيق يحب كل رفيق".
وليكن أيضًا متأنيًا، غير مبادر إلى العقوبة، ولا يؤاخذ أحدًا بأول ذنب يصدر، ولا يعاقب بأول زلة تبدو؛ لأن العصمة من الناس مفقودة، فيما سوى الأنبياء.
وإذا عثر بمن نقص المكيال، أو بخس الميزان، أو غش بضاعة، بما يأتي وصفه في أبوابه من أنواع الغشوش، استتابه عن معصيته، ووعظه وخوفه، وحذره العقوبة والتعزير، فإن عاد إلى فعله عزره على حسب ما يليق به من التعزير بقدر الجناية، ولا يبلغ به الحد.
ويتخذ له سوطًا، ودرّة، وغلمانًا، وأعوانًا، فإن ذلك أرعب للقلوب، وأشد خوفًا ويلازم الأسواق والدروب في أوقات الغفلة عنه، ويتخذ له فيها عيونًا يوصلون إليه الأخبار وأحوال السوقة، فقد ذكر أن على بن عيسى الوزير ببغداد وقع إلى محتسب كان في وقت وزارته، ذكروه له بأنه يكثر الجلوس في داره، فكتب له يقول: الحسبة لا تحتمل الحجبة، فطف بالأسواق تدر لك الأرزاق، وإن لزمت دارك صار الأصر كله عليك، والسلام. فإذا فعل المحتسب كذلك، فقد أوفى ما يجب عليه، والذي يجب له أيضًا على سلطانه إدرار الرزق عليه بما يكفيه، وبسط يده، وترك معارضته، وترك الشفاعة عنده في الخاصة والعامة.
ويكون متورعًا عن قبول الهداية من المتعيشين من أرباب الصناعات، فإن ذلك رشوة، قال النبي ﷺ: "لعن الله الراشي والمرتشي"، والتعفف عن ذلك أصون، ويُلزم أيضًا غلمانه وأعوانه، فإن علم أن أحدًا منهم قبل رشوة، أو أخذ هدية، صرفه عنه؛ لتنتفي عنه المطلوب، وتنجلي عنه الشبهات.
ويجب عليه أن يجعل له نائبًا على ساحل البحر مكان ترد إليه الغلة ليعلمه ما يرد إليه
1 / 295