ولخصومهم من المعطلة هذه الطريقة أسولة منها ما هو على الأشعرية سؤالان ومنها على المعتزلة آخران ومنها سؤال على جميع المتكلمين أما السؤال الأول فقالوا أنتم إذا نفيتم الحال وقلتم الأشياء في حقائقها تتمايز بذواتها ووحدها فكيف يستمر لكم الجمع بين الشاهد والغائب الثاني إنكم ما أثبتم في الشاهد فاعلا موجدا على الحقيقة وإن أثبتم فاعلا مكتسبا فكيف يستمر لكم الجمع بين ما لم يتصور منه الإيجاد وبين ما لم يتصور منه الاكتساب أجاب الأصحاب عن السؤال الأول بأنا وإن نفينا الحال صفة ثابتة لعين مشار إليها لم تنف الوجوه والاعتبارات العقلية جمعا بين الشاهد والغائب بالعلة والمعلول والدليل والمدلول وغير ذلك فإن العقل إذا وقف على المعنى الذي لأجله صح الفعل من الفاعل في الشاهد حكم على كل فاعل كذلك.
وأما الثاني فإنا وإن لم نثبت إيجادا وإبداعا في الشاهد إلا أنا نحس في أنفسنا تيسرا وتأتيا وتمكنا من الفعل وبذلك الوجه امتازت حركة المرتعش عن حركة المختار وهذا أمر ضروري ثم وجه تأثير القدرة في المقدور أهو إيجاد أم اكتساب نظر ثان ونحن بهذا الوجه جمعنا لا بذلك الوجه الذي فرقتم.
أما السؤال على المعتزلة قالوا من أثبت الحال منكم لم يثبت للفعل أثرا من الفاعل إلا حالا لا توصف بالوجود والعدم والقادرية أيضا عندكم حال فكيف أوجدت حالة حالة.
والثاني أنكم أثبتم تأثيرا للقدرة الحادثة في الإيجاد وما أثبتم للقدرة في الغائب إلا حالا فما أنكرتم أن المصحح للإيجاد هو كونه قدرة لا كونه قادرا فما حصل في الشاهد لم يوجد في الغائب وما ثبت في الغائب لم يثبت في الشاهد ثم أثبتم تأثيرا في إيجاد حركات دون الألوان والأجسام فإن جمعتم بين الشاهد والغائب بمجرد الحدوث فقولوا فإن القدرة الحادثة تصلح لإيجاد كل موجود وإن تقاصرت القدرة في الشاهد حتى لم يجمع بين محدث ومحدث في الشاهد فكيف يصح الجمع بين محدث في الشاهد ومحدث في الغائب.
وأما السؤال على الفريقين قالوا هذا تمسك باستقراء الحال وهو فاسد من وجوه كثيرة منها أنكم وجدتم في بعض الفاعلين أن البناء يدل على الباني وقلتم سبرنا صفات الباني وعثرنا على كونه قادرا فما أنكرتم أن بانيا يصدر عنه البناء ويكون حكمه على خلاف هذا الباني حتى لا يستدعي كونه قادرا كما أنكم ما رأيتم بانيا إلا بآلة وأدات فلو حكمتم على كل بان بآلة وأداة كان الحكم فاسدا كذلك في كونه قادرا أو ذا قدرة أليست المعتزلة تخالفكم في القدرة والعلم والإرادة وأنتم تقولن البناء يدل على كون الباني ذا قدرة وعلم وإرادة ثم لم تطردوا هذا الحكم غائبا فإذا يلزمكم دليل مستأنف في حق الغائب ولا يغنيكم دعوى الضرورة في هذا الجمع فأنتم معاشر المعتزلة يلزمكم في استقرائكم الشاهد كون الصانع ذا قدرة وعلم وإرادة وأنتم معاشر الأشاعرة يلزمكم في استقرائكم الشاهد كون الصانع ذا بنية وآلة وأداة وبالجملة الأستقراء ليس يوجب علما وإن ادعيتم الضرورة فما بالكم شرعتم في الدليل.
قال القاضي أبو بكر رحمه الله إذا كنا نعود في آخر الاستدلال بعد السبر والتقصير والترديد والتحويم إلى دعوى الضرورة فما بالنا لم ندع البديهة والضرورة في الابتداء.
فنقول إذا أحاط المرء علما ببدائع الصنع وعجائب الخلق من سير المتحركات على نظام وترتيب وثبات الساكنات على قوام وتسديد وحصول الكائنات بين المتحركات والساكنات فمن جماد ونبات ومن حيوان ومن إنسان وكل بإحكام وإتقان عرف يقينا أن الصانع عالم حكيم قادر مريد ومن استراب عن ذلك كان عن العقل خارجا وفي تيه الجهل والجا ولسنا نحتاج في ذلك إلى إثبات فعل في الشاهد ثم طرد ذلك في الغائب بل الغائب شاهد والعقل رائد والبصر ناقد ومن حاول الاستدلال في مناهج الضروريات عمي من حيث يبصر وجهل من حيث يستبصر.
صفحة ٥٨