قال أهل الحق النبوة ليست صفة راجعة إلى نفس النبي ولا درجة يبلغ إليها أحد بعلمه وكسبه ولا استعداد نفسه يستحق به اتصالا بالروحانيات بل رحمة من الله تعالى ونعمة يمن بها على من يشاء من عباده وكما قال نوح عليه السلام " ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك " إلى غيره من الأنبياء وسيد البشر صلى الله عليه وسلم قال كما قال الأول " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون " لعمري لا تعدم نفس النبي ومزاجه كمالية في الفطرة وحسنا في الأخلاق وصدقا وأمانة في الأقوال والأفعال قبل بعثه لأنه بها استحق النبوة أو وصل بسببها إلى الاتصال بالملائكة وقبول الوحي كما قال تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " وكما قال القوم " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " قال سبحانه " أهم يقسمون رحمة ربك " فشخص النبي صلى الله عليه وسلم شخص الرحمة ورحمة مشخصة ورسالته إلى الخلق رحمة ونعمة كما قال تعالى " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون " والأنبياء خيرة الله في خلقه وحجة الله على عباده والوسائل إليه وأبواب رحمته وأسباب نعمته " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس " " إن الله اصطفى آدم ونوحا " الآية فكما يصطفيهم من الخلق قولا بالرسالة والنبوة يصطفيهم من الخلق فعلا بكمال الفطرة ونقاء الجوهر وصفاء العنصر وطيب الأخلاق وكرم الأعراق فيرقيهم مرتبة مرتبة حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة وكملت قوته النفسانية وتهيأت لقبول الأسرار الإلهية بعث إليهم ملكا وأنزل عليهم كتابا ولا تظن أن الملك يتجسد شخصا بمعنى أنه يتكاثف بعد ما كان جسما لطيفا تكاثف الهواء اللطيف غيما كما ظنه قوم ولا أنه تعدم حقيقته ويوجد شخص آخر ولا أنه تنقلب حقيقته إلى حقيقة أخرى فإن كل ذلك محال بل الجواهر النورانية خصت بقوة الظهور بأي شخص أرادوا كما قال تعالى " فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا " وكما قال " ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا " ولا نجد له مثالا في هذا العالم إلا تمثل تعلق أرواحنا بأجسادنا غير أن التمثل يستدعي شخصا كاملا في الحال والتعلق يستدعي شخصا يتكون مرتبة فمرتبة سلالة ونطفة وعلقة ومما نذكره مثالا تمثل المعنى الذي في الذهن بالعبارات التي في اللسان وبالكتابة التي في اللوح غير أن اللفظ دليل على المعنى وكل دليل مظهر المعنى من وجه وكل مظهر دال على المعنى من وجه من غير حلول الأعراض في الجواهر ولا نزول الأجسام على الأجسام وإن تخطيت منه إلى ظهور صورة الشخص في المرآة الصقيلة ووقوع الظل على الماء الصافي قارنت المعنى مثالا وإدراكا.
ألستم تقولون معاشر الصابئة المحيلين نزول الروحاني على الجسماني أن كل روحاني له هيكل يظهر به ويتصرف فيه ويستوي عليه وكل هيكل في العالم العلوي له شخص في العالم السفلي يظهر به ويتصرف فيه ويستوي عليه غير أنكم اتخذتم بصنعتكم أصناما آلهة وهي مظاهر تلك الهياكل التي هي مظاهر تلك الروحانيات.
صفحة ١٦٢