[شهادة القاذف]
وأما ما اختلف فيه من شهادة القاذف، وما نسخ من ذلك قال الله سبحانه: ?والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون? [النور:4] ، ثم نسخ هذه الآية بما استثناه من قوله: ?إلا الذين تابوا? [النور:5] فزعم قوم أن الآية [76أ-ب] إنما نسخت التوبة الفسق وحده، وأن الشهادة غير مقبولة أبدا [16ب-أ] من قاذف، وزعم آخرون وهم جل الناس: أن التوبة نسخت الفسق والشهادة معا، وهذا قولنا وبه نأخذ؛ لأن الكلام غير منقطع بعضه يتلوا بعضا، معطوف الآخر منه على الأول.
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ومن الحجة على من يرد شهادة القاذف بعد صحة توبته، واحتج بأن الكلام مقطوع، وأن التوبة لم تنسخ إلا الفسق وحده أن يقال له: أليس جميع أهل العلم مجمعين أن من ارتكب الفاحشة مقبول الشهادة إذا تاب منها؟ والقاذف بها أهون ذنبا ممن ارتكبها فما باله لا تقبل شهادته؟ وكذلك من أشرك بالله ثم تاب كان كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : [37/1] ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) وإذا قبل الله التوبة من كل من عصاه، فالعباد أولى أن يقبل بعضهم من بعض، وفي مثل هذا ما يقول الله سبحانه: ?إنما جزاء الذين يحاربون الله [8أ-ج] ورسوله...?الآية [المائدة:33] ، ثم قال بعدها ناسخا لها: ?إلا الذين تابوا? [المائدة:34] ، ولا أعلم أحدا من أهل العلم اختلف أن النسخ بالتوبة لجميع ما في الآية كلها، ولا أعلم موضعا في القرآن فيه استثناء ينسخ فيه شيء دون شيء، إلا استثناء ناسخا لجميع الآية وما فيها من جميع الذنوب.
صفحة ٧٥