وقد بلغني من حيث أثق به [35/1] أن رجلا من المسلمين اختصم هو وزوجته فلطمها؛ فاجتمع أولياؤها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه القصاص، فهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتصهم منه، فأنزل الله سبحانه: ?الرجال [74ب-ب] قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض...?الآية [النساء:34] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أردنا شيئا فجاء الله بخير منه)) فصرفهم ولم تقتص المرأة من زوجها، فميز الله عز وجل بينهم، وفرق بين الحر والعبد والرجل والمرأة، ولمن أجمع معنا على هذا القول أكثر ممن خالفنا من الذين يرون القصاص من العبد والحر في النفس وحدها قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ومما احتج به [15أ-أ] على من ذكرت ممن خالفنا قول الله سبحانه:?النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص? [المائدة: 45] ، والكلام نسق يتبع بعضه بعضا، فعلمنا أنه إنما أراد ما ذكرنا من تكافؤ نفوس الأحرار بينهم، وأن كلما ذكره الله سبحانه من نفس أو غيرها فهو بين الأحرار دون العبيد، فإن زعم زاعم أن ?النفس بالنفس? ناسخ فكيف يساوي بين أنفس الأحرار والعبيد، ولا يساوي بينهم في الجراح والقصاص في الأعضاء والآية واحدة، والكلام نسق يتبع بعضه بعضا لم يفصل بينه بشيء، فلا بد لمن قال بهذا أن يجعل القصاص بين الحر والعبد في كل شيء، وإلا فسد عليه قوله لإجماعه، مع إجماع الأمة أنه لا قصاص في الجراح بين حر وعبد، وردته الحجة إلى قولنا؛ لأنه ليس له أن يأخذ بعض الآية ويدع بعضها، ويفضل من ذلك ما لم يفضله الله به، وكيف يرى أن يقتل حر بعبد لم يرد بقتله فسادا في الأرض، ويستحل ذلك ويستجيزه، ولا يرى أن يجعل بينهم قصاصا فيما دون النفس، والنفس أكبر [75أ-ب] وأعظم من القصاص، وهذا أيضا قول منهم بلا ثبت ولا حجة لا من الكتاب ولا من السنة ولا من المعقول.
صفحة ٦٩