وقال رجل لرسول الله
صلى الله عليه وسلم : حبب إلي الصوت الحسن، فهل في الجنة صوت حسن؟ فقال الرسول الكريم: إي والذي نفسي بيده، إن الله تعالى ليوحي إلى شجرة في الجنة: أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي عن عزف البرابط والمزامير، فترفع صوتا لم تسمع الخلائق مثله في تسبيح الرب وتقديسه.
وقال أعرابي: يا رسول الله، هل في الجنة من سماع؟ فقال - عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: نعم يا أعرابي، إن في الجنة لنهرا على حافتيه الأبكار من كل هيفاء بيضاء خمصانة، فيتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط، فلذلك هو أفضل نعيم أهل الجنة.
وفي الخبر: إن في الجنة أشجارا عليها أجراس من فضة، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله تعالى ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار، فتتحرك الأجراس التي عليها بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا.
وكان أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة يحضر مجلس «الرشيد» وفيه الغناء، فيجعل مكان السرور بكاء كأنه يتذكر نعيم الآخرة.
وقد تحن القلوب والأرواح إلى حسن الصوت، حتى الطير والبهائم.
وقيل: النحل والإبل أطرب الحيوان إلى الغناء؛ لأنهما يجتمعان بصفير الغناء، قال أفلاطون: من حزن واغتم فليسمع الأصوات الحسنة؛ فإن النفس إذا حزنت خمدت نارها، فإذا سمعت ما يطربها ويسرها اشتعل منها ما خمد .
والصيادون يصيدون الفيل والغزال بالسماع وآلات الطرب؛ إذ الملاهي تلهيها عن رعيها فتسهو عن الرعي والهرب حتى تؤخذ وتصاد، وكذلك السماكون يصطادون السمك بأصوات شجية، وكثير من الطيور تصاد بالغناء لما فيه من الجذبة السارية الشاغلة.
واختلف العلماء قديما وحديثا في الغناء؛ فأجازه عامة أهل الحجاز، وكرهه عامة أهل العراق، ولكل مقاصد ومحامل حسنة، كاختلافهم في الأشعار، حسنها حسن وقبيحها قبيح، بحسب المقاصد والمجالس، وأهاليها من أرباب الأحوال وأهل الأهواء، كما ذكره الغزالي والنووي بتفصيله في كتبهما، كل وفق ما يسر له، ولله في خلقه شئون.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «لأهل الجنة سماع من شجرة أصلها من ذهب، وثمرها اللؤلؤ والزبرجد، يبعث الله ريحا فتحرك بعضها بصوت ما سمع أحد صوتا أحسن منه.» ذكره الإمام الثعلبي في تفسيره.
صفحة غير معروفة