تاريخ الموسيقى
الغناء في الإسلام
تعليم الغناء
أجناس الغناء
آلات الطرب والرقص وأربابها
الرقص وآلاته
علم الموسيقى
المخطوطات الموسيقية العربية
الموسيقى أشرف العلوم وألطف الفنون
أرجوزة في علم الموسيقى
صفحة غير معروفة
مصطلحات موسيقية
الغناء العربي
محاولات لتطوير الموسيقى
تاريخ الموسيقى
الغناء في الإسلام
تعليم الغناء
أجناس الغناء
آلات الطرب والرقص وأربابها
الرقص وآلاته
علم الموسيقى
صفحة غير معروفة
المخطوطات الموسيقية العربية
الموسيقى أشرف العلوم وألطف الفنون
أرجوزة في علم الموسيقى
مصطلحات موسيقية
الغناء العربي
محاولات لتطوير الموسيقى
الموسيقى والغناء عند العرب
الموسيقى والغناء عند العرب
تأليف
أحمد تيمور باشا
صفحة غير معروفة
العلامة المحقق المغفور له أحمد تيمور باشا.
تاريخ الموسيقى
لا يخفى أن بين الفنون المنتشرة في العالم فنونا خمسة تعرف بالفنون الجميلة؛ لأنها أجمل الفنون، ولا تتأتى إجادتها إلا لذوي المواهب المختصة بها، وهذه الفنون الخمسة هي: الموسيقى، والرسم، والنقش، وهندسة البناء، والشعر.
ويظهر من مراجعة أقدم التواريخ أن الموسيقى أقدمها كلها، فقد ورد في التوراة (سفر التكوين، الفصل الرابع، العدد الحادي والعشرين) أن «بوبل بن لامك بن متوشائيل بن محويائيل بن عيراد بن أخنوخ بن قايين بن آدم، أبو كل عازف بالكمارة والمزمار.»
وفي التوراة نصوص كثيرة تؤيد شيوع الآلات الموسيقية قديما بين اليهود ومن عاصروهم ... وترى على جدران الهياكل وغيرها من الآثار المصرية القديمة رسوم كثير من الآلات الموسيقية التي كانت شائعة بين المصريين قبل الميلاد بأجيال، كما يرى مثل ذلك أيضا على الآثار الآشورية وغيرها.
والآلات الموسيقية كثيرة تعد بالمئات، وتختلف شكلا وحجما باختلاف الزمان والمكان، ولو أردنا تعدادها ووصفها لضاق دون ذلك المقام، ولكنا نقول: إنها ترجع إلى ثلاثة أشكال أولية، أو هي ثلاثة أنواع: (1)
ذوات الأوتار، ومنها العود والقانون والكمنجا والرباب وغيرها. (2)
الآلات الصفيرية: وهي التي يضربون بها نفخا بالفم، أو ما يقوم مقامه، ومنها المزمار والنفير والفلوت والناي وما جرى مجراها. (3)
الآلات الصدمية: وهي التي يستخدمونها ضربا أو خشخشة، مثل: الطبل والدف والصنوج وما شاكلها.
ومن أنواع الآلات الموسيقية التي صنعها قدماء المصريين، ووجدت في معابدهم وهياكلهم: (1)
صفحة غير معروفة
القرن: وهو أبسط أنواع الآلات الصفيرية؛ لأنه موجود في الطبيعة خلقة كما هو. (2)
النفير: وهو مصنوع على مثال «القرن». (3)
المزمار: وهو نوعان: المفرد والمزدوج. (4)
الطبل: وهو من الآلات الصدمية. (5) «آلة من ذوات الأوتار» تشبه آلة موسيقية حديثة كثيرة الاستعمال عند الإفرنج. (6) «آلة كثيرة الشبه بالعود» ويتبين من كيفية حملها أن الضرب بها مثل الضرب بالعود تماما.
وتحت كل من هذه الأقسام أنواع كثيرة ليس هنا محل الكلام عليها، وإنما نقول إن الآلات الموسيقية قديمة جدا لا يمكن الوصول إلى مخترعها إلا من قبيل ما تقدم، ولم تخرج الآلات الموسيقية الحديثة كالعود والقانون عن كونها متخلقة عن تلك، فالعود مثلا كثير الشبه بالآلة الفرعونية السالفة الذكر، والقانون يغلب على الظن أنه متخلق عن الشكل الخامس، وهو من صنع المصريين القدماء أيضا، وكلاهما من ذوات الأوتار، فقس عليهما الآلات الأخرى المتخلقة عن الآلات الصفيرية والصدمية ومنها «الفلوت والدف وغيرهما».
أما زمن تخلقها أو تنوعها فغير معروف؛ لتباعد عهدها. (1) علم الألحان عند العرب
أما العرب فإن علم الألحان قديم عندهم، أو هو مرافق لنظم الشعر؛ لأنهم يقولون: «إن العرب إنما جعلت الشعر موزونا لمد الصوت فيه والدندنة، ولولا ذلك لكان الشعر المنظوم كالخبر المنثور، وأما الآلات الموسيقية فربما كان عندهم البسيط منها كالمزمار والطبل والنفير، وأما العود والقانون فقد أخذهما العرب عن الفرس أو الروم في صدر الإسلام، وهاموا بهما وبالغناء كثيرا حتى كان ما نسمعه عن الرشيد ومجالس الغناء عنده.»
وقد نظم شعراء العرب في صدر الإسلام أبياتا كثيرة في مدح العود وغيره، وقام في صدر الإسلام علماء اشتغلوا في فن الموسيقى وألفوا فيه كتبا، أشهرهم أبو نصر محمد خان الفارابي التركي، الفيلسوف المشهور صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى وغيرهما (توفي سنة 339ه) وكان كثير البراعة في الموسيقى وضرب الآلات.
ومما يحكى أنه حضر في مجلس سيف الدولة في دمشق، فأراد سيف الدولة إكرامه، فأمر بإحضار القيان، وكل ماهر في صناعة ضرب الألحان، فلم يحرك أحد منهم آلة إلا عابه الفارابي، وقال له: أخطأت. فقال له سيف الدولة: هل تحسن في هذه الصنعة شيئا؟ فقال: نعم. ثم أخرج من «وسطه» خريطة، ففتحها وأخرج منها عيدانا وركبها، ثم لعب بها فضحك منها كل من كان في المجلس، ثم فكها وغير تركيبها، وضرب بها ضربا فبكى كل من كان في المجلس، ثم فكها وغير تركيبها، وضرب بها ضربا آخر فنام كل من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياما وخرج ...
ويقال أيضا إن «القانون» إنما هو من صنع «الفارابي المشار إليه»، وهو أول من ركبه على الأسلوب الذي هو عليه. (2) الموسيقى وأصول الألحان
صفحة غير معروفة
في «محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر» ص189، الفصل الثاني والثلاثون، في الأوائل المتعلقة بالغناء والحداء وما يتعلق بهما، قال المؤلف: أول من وضع علم الموسيقى وأصول الألحان فيثاغورث الهرمس، أدرك بالقوة الذهنية حركات الأفلاك، فاستمع الأصوات، ورتب الألحان الثمانية، بحسب الأدوار الفلكية وأصواتها.
وفي «تاريخ الحكماء»: إن أول من وضع العود للغناء «لامك بن قابيل بن آدم، عليه السلام» وبكى به على والده، ويقال إن صانعه «بطليموس الحكيم» صاحب الموسيقى أو كتاب اللحون الثمانية.
وفي «بهجة التواريخ»: أول من غنى من العرب قينتان يقال لهما «الجرادتان»، ومن غنائهما حين حبس الله عنهما المطر:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم
لعل الله يصبحنا غماما
ذكره صاحب «المستطرف»، وأول من غنى في الإسلام الغناء الرقيق «طويس»، وكان أصله من اليمن وهو الذي علم الغناء «ابن سريج»، وقيل: أول من تغنى «جرادة بن جدعان» وقيل غيره، أخذ من أهل الفرس أيام الزبير، وكانوا يبنون المسجد الحرام، ويتغنون بالفارسية فقلبه بالعربية ابن سريج. (3) أول من غنى على العود
أما أول من غنى من العرب على العود، فقد ذكر الإمام العالم الفاضل جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري في ص127 من كتابه «مسرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون»، أن النضر بن الحارث بن كلدة هو أول من غنى من العرب على العود بألحان الفرس، وذلك حين وفد على «كسرى» بالحيرة؛ فتعلم ضرب العود والغناء، ثم قدم مكة فعلم أهلها.
وفيه أن أول من غنى في الإسلام بألحان الفرس «سعيد بن مسجح»، وقيل «طويس». وذلك أن عبد الله بن الزبير لما وهى بناء الكعبة رفعها وجدد بناءها، وكان فيها صناع من الفرس يغنون بألحانهم، فوقع عليها ابن مسجح - الغناء العربي - ثم دخل إلى الشام فأخذ الألحان عن الروم، ثم دخل إلى فارس فأخذ الغناء وضرب العود، واتبعه من بعده، وبدئ هذا العلم ببطليموس، وختم بإسحاق بن إبراهيم الموصلي.
وفي «نهاية الأرب للنويري» ج5 ص22: ذكر أخبار عبد الله بن العباس الربيعي: هو العباس عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع، والربيع على ما يدعيه أهله ابن يونس بن أبي فروة، وآل أبي فروة يدفعون ذلك ويزعمون أنه لقيط وجد منبوذا كفله يونس، فلما خدم المنصور ادعى عليه، قال أبو الفرج الأصفهاني: وكان شاعرا مطبوعا ومغنيا محسنا جيد الصنعة نادرها، وهو أول من غنى «بالكنكلة» في الإسلام. (4) أول من أفسد الغناء
وكانت العرب تسمي القينة: الكرنية، والعود: الكران، والمزهر أيضا هو: البربط، وكان أول ما غني به في الإسلام:
صفحة غير معروفة
قد براني الشوق حتى
كدت من شوقي أذوب
وفي «غذاء الألباب» للسفاريني ج1 ص147: أول من غنى في العرب قينتان لعاد يقال لهما الجرادتان، هكذا في أوائل «علي دده» و«المستطرف» وغيرهما. والصواب أن الجرادتين كانتا بمكة، وأن وفد عاد لما ذهبوا لمكة لأجل أن يستسقوا في الحرم كانت الجرادتان تغنيانهم، وكان سيدهما قد أمرهما أن تغنياهم بهذا الشعر:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم
لعل الله يصبحنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عادا
قد امسوا ما يبينون الكلاما
وأول من أفسد الغناء القديم: إبراهيم بن المهدي. ذكر هذا أبو الفرج الأصبهاني في كتابه «الأغاني» ص35 عند الكلام على «صنعة أولاد الخلفاء الذكور منهم والإناث»، قال:
فأولهم وأتقنهم صنعة، وأشهرهم ذكرا في الغناء إبراهيم بن المهدي، فإنه كان يبتذل نفسه ولا يستتر منه ولا يحاشي أحدا، وكان أول أمره لا يفعل ذلك إلا من وراء ستر، وعلى حال تصون عنه وترفع، إلا أن يدعوه إليه «الرشيد» في خلوة ، «والأمين» بعده، فلما أمنه المأمون تهتك بالغناء، وأكثر شرب النبيذ بحضرته والخروج من عنده ثملا، ومع المغنين، خوفا منه وإظهارا له أنه قد خلع ربقة الخلافة من عنقه، وهتك ستره فيها حتى صار لا يصلح لها.
وكان من أعلم الناس بالنغم والوتر والإيقاعات، وأطبعهم في الغناء وأحسنهم صوتا، وهو من المعدودين في طيب الصوت في الدولة العباسية مع ابن جامع، وعمرو بن أبي الكنات، ومخارق، وهؤلاء من الطبقة الأولى وإن كان بعضهم يتقدم.
صفحة غير معروفة
وكان إبراهيم مع علمه وطبعه مقصرا عن أداء الغناء القديم وعن أن ينحوه في صنعته، فكان يحذف نغم الأغاني الكثيرة العمل حذفا شديدا ويخففها على قدر ما يصلح له ويفي بأدائه؛ فإذا عيب ذلك عليه قال: «أنا ملك وابن ملك أغني كما أشتهي، وعلى ما ألتذ.» فهو أول من أفسد الغناء القديم، وجعل للناس طريقا إلى الجسارة على تغييره، فالناس إلى الآن في ذلك صنفان: صنف على مذهب إسحاق وأصحابه ممن ينكرون تغيير الغناء القديم ويعظمون الإقدام عليه، ويعيبون من فعله؛ فهم يغنون الغناء القديم على جهته أو قريبا منها، وصنف أخذوا بمذهب إبراهيم بن المهدي أو اقتدوا به. (5) من الفارسية إلى العربية
ولا ريب أن الغناء قديم في الفرس والروم، ولم يكن للعرب قبل ذلك إلا الحداء والنشيد، وكانوا يسمونه الركبانية.
وأول من نقل الغناء العجمي إلى العربي من أهل مكة سعيد بن مسجح، ومن أهل المدينة سائب خاثر، وأول من صنع الهزج طويس، كذلك قال النويري في «نهاية الأرب» ج4 ص256.
وفي أوائل محاضرات السيوطي: وأول من غنى الغناء العربي «طويس» وكان يكنى أبا عبد الرحيم، كان اسمه طاوس فلما تخنث صغروه، وضرب به المثل في المدينة المشرفة بالشآمة، فيقال: أشأم من طويس، وهو أول من اتخذ «الرمل»، كان يقول عن نفسه: «أنا طاوس الجحيم، أنا أشأم من يمشي على ظهر الحطيم.» يعني على ظهر الأرض، وله مناقب متعلقة بالشآمة.
وفيها أيضا: وأول صوت غني به في الإسلام كان يغني به طويس هو:
قد براني الشوق حتى
كدت من وجدي أذوب
وفيها أيضا: أول من تغنى على وجه الأرض إبليس، ثم زمر بعد الغناء، ثم حدا، ثم ناح.
وفيها: أول من اتخذ المغاني وتغنى له من الملوك «نمروذ»، وأول من اتخذ المغاني والندامى في مجالس الخمر «يزيد المرواني» من ملوك الجبابرة، وأول من تغنى من الأنصار على الطنبور في الإسلام رجل بالكوفة يقال له «أحمد بن أمامة الكوفي»، وأول من دون الغناء والرمل للمخنثين طويس المذكور، وقيل رجل يقال له «يونس الكاتب»، وأول من وضع الآلة المعروفة للغناء المسماة بالقانون ورتبها أبو نصر الفارابي أستاذ ابن سينا.
وفي «بهجة التاريخ»: أول من ضرب بالعود على الغناء العربي ابن سريج، أخذه من العجم الذين أقدمهم ابن الزبير لبناء المسجد الحرام.
صفحة غير معروفة
وفي أوائل محاضرات السيوطي: أول من ضرب بالدف كلثوم أخت موسى عليه السلام لما جاوز البحر، كذا ذكره السيوطي رحمه الله نقلا عن جابر رضي الله عنه.
وكان الغناء في خرسان حتى العصر العباسي بالفارسية، وفي «نهاية الأرب» (ج5 ص116-121) كثير مما قيل في الغناء، وما وصفت به القيان، ومنه أن بعض المحدثين سمع غناء بخراسان - بالفارسية - فلم يدر ما هو، غير أنه شوقه لشجاه وحسنه. (6) الضرب بالدف والحداء
وأول من ضرب بالدف عند ظهور الإسلام بالمدينة المنورة فتيات من بني النجار، استقبلن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
عند هجرته إليها من مكة وهن يضربن بالدف وينشدن مرتجزات:
نحن جوار من بني النجار
يا حبذا محمد من جار
كما ذكره السيوطي وغيره.
وأول غناء تغنت به النساء والصبيان في المدينة عند قدوم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
صفحة غير معروفة
هو:
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة
مرحبا يا خير داع
وفي أوائل محاضرات السيوطي: وأول من جعل للمغنين مراتب وطبقات هارون الرشيد.
صفحة غير معروفة
وأول من تغنى من العرب الحجازية خزيمة بن سعد، ويلقب بالمصطلق؛ لحسن صوته في غنائه.
وأول من أحدث الحداء غلام من مضر ، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في مضر، فسمع صوت حاد يحدو، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ميلوا بنا إليه، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من مضر، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : أتدرون متى كان الحداء؟ قالوا: لا، بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله، فقال
صلى الله عليه وسلم :
إن أباكم مضر خرج في مال له، فوجد غلامه قد تفرقت عليه إبله فضربه على يده بالعصا، فعدا الغلام في الوادي وهو يصيح: «وا يداه! وا يداه!» فسمعت الإبل صوته فعطفت عليه واجتمعت، فقال مضر: لو اشتق من هذا الكلام مثل هذا لكان كلاما تجتمع عليه الإبل، فاشتق الحداء من ذلك.
وكان «سلام الحادي» في الدولة العباسية يضرب المثل بحدائه، فقال يوما للمنصور: يا أمير المؤمنين، مر الجمالين بأن يظمئوا الإبل ثم يوردوها الماء، فإني آخذ في الحداء فترفع رءوسها وتترك الشرب، ففعلوا ما قال، فأجرى ما التزم، وارتجز:
ألا يا بانة الحادي
صفحة غير معروفة
بشاطئ نهر بغداد
شجاني فيك صياح
طروب فوق مياد
يذكرني ترنمه
ترنم ربة الوادي
إذا سوت مثالثها
فلا نذكر أخا الهادي
وإن جادت بنغمتها
فمن «أنجشة» الحادي؟
و«أنجشة الحادي» هذا هو أول من اشتهر بالحداء في الإسلام ويضرب به المثل فيه، وكانت الإبل تتهلل بحسن صوته، وروي أنه كان يحدو في زمن رسول الله
صفحة غير معروفة
صلى الله عليه وسلم ، ولقي قوما فيهم حاد يحدو فقال: ممن القوم؟ قالوا: من مضر. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : وأنا من مضر، قال: أي العرب حدا أولا؟ قالوا: إن رجلا منا - وسموه له - عزب عن إبله في الربيع، فبعث غلاما له مع الإبل فأبطأ، فضربه بعصا على يده، فانطلق الغلام يقول: وايداه! أو قال: هبيبا هبيبا، فتحركت الإبل لذلك، فسارت وانبسطت، ففتح الحداء.
وقال أهل الطب: إن الصوت الحسن يسري في الجسم والعروق فيصفو الدم، وتنمو له النفس، وترتاح الروح، وتهتز الجوارح، وتخف الحركات بالسماع، ويعلل به المريض، ويشغله عن التفكر؛ فمن ثم أخذت العرب الغناء كما مر، وكانت ملوك الفرس تلهي المحزون بالسماع، فتستريح جوارحه وتستهدي فيه كوامن النفس عند الاندفاع.
الغناء في الإسلام
قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى:
يزيد في الخلق ما يشاء : هو الصوت الحسن.
وذكر بعضهم في قوله تعالى:
فهم في روضة يحبرون
يلتذون بالسماع فيها. قال الأوزاعي وغيره: «إذا أخذ أهل الجنة في السماع لم تبق شجرة في الجنة إلا غنت.»
وورد في الخبر: «ليس في خلق الله تعالى أحسن صوتا من إسرافيل، فإذا أخذ في الغناء قطع على أهل السموات صلاتهم وتسبيحهم.»
صفحة غير معروفة
وقال رجل لرسول الله
صلى الله عليه وسلم : حبب إلي الصوت الحسن، فهل في الجنة صوت حسن؟ فقال الرسول الكريم: إي والذي نفسي بيده، إن الله تعالى ليوحي إلى شجرة في الجنة: أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي عن عزف البرابط والمزامير، فترفع صوتا لم تسمع الخلائق مثله في تسبيح الرب وتقديسه.
وقال أعرابي: يا رسول الله، هل في الجنة من سماع؟ فقال - عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: نعم يا أعرابي، إن في الجنة لنهرا على حافتيه الأبكار من كل هيفاء بيضاء خمصانة، فيتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط، فلذلك هو أفضل نعيم أهل الجنة.
وفي الخبر: إن في الجنة أشجارا عليها أجراس من فضة، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله تعالى ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار، فتتحرك الأجراس التي عليها بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا.
وكان أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة يحضر مجلس «الرشيد» وفيه الغناء، فيجعل مكان السرور بكاء كأنه يتذكر نعيم الآخرة.
وقد تحن القلوب والأرواح إلى حسن الصوت، حتى الطير والبهائم.
وقيل: النحل والإبل أطرب الحيوان إلى الغناء؛ لأنهما يجتمعان بصفير الغناء، قال أفلاطون: من حزن واغتم فليسمع الأصوات الحسنة؛ فإن النفس إذا حزنت خمدت نارها، فإذا سمعت ما يطربها ويسرها اشتعل منها ما خمد .
والصيادون يصيدون الفيل والغزال بالسماع وآلات الطرب؛ إذ الملاهي تلهيها عن رعيها فتسهو عن الرعي والهرب حتى تؤخذ وتصاد، وكذلك السماكون يصطادون السمك بأصوات شجية، وكثير من الطيور تصاد بالغناء لما فيه من الجذبة السارية الشاغلة.
واختلف العلماء قديما وحديثا في الغناء؛ فأجازه عامة أهل الحجاز، وكرهه عامة أهل العراق، ولكل مقاصد ومحامل حسنة، كاختلافهم في الأشعار، حسنها حسن وقبيحها قبيح، بحسب المقاصد والمجالس، وأهاليها من أرباب الأحوال وأهل الأهواء، كما ذكره الغزالي والنووي بتفصيله في كتبهما، كل وفق ما يسر له، ولله في خلقه شئون.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «لأهل الجنة سماع من شجرة أصلها من ذهب، وثمرها اللؤلؤ والزبرجد، يبعث الله ريحا فتحرك بعضها بصوت ما سمع أحد صوتا أحسن منه.» ذكره الإمام الثعلبي في تفسيره.
صفحة غير معروفة
وقال مالك بن دينار:
1
بلغنا في الخبر أن الله تبارك وتعالى يقيم داود عليه السلام يوم القيامة عند ساق العرش فيقول: يا داود، مجدني اليوم بذلك الصوت الرخيم. وجاء في الخبر أن داود عليه السلام كان يخرج إلى صحراء بيت المقدس يوما في الأسبوع ويجتمع الخلق؛ فيقرأ الزبور بالقراءة الرخيمة، وكانت له جاريتان موصوفتان بالقوة فكانتا تضبطان جسده خيفة أن تنخلع أوصاله مما كان ينتحب، وكانت الوحوش والطيور تجتمع لاستماع قراءته.
وقال
صلى الله عليه وسلم
لأبي موسى الأشعري لما أعجبه حسن صوته: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود.»
وكان السلف يستمعون ويحضرون مجالس الغناء؛ قال رجل للحسن البصري رحمه الله: ما تقول في الغناء؟ فقال الحسن: نعم العون على طاعة الله، يصل الرجل به رحمه، ويواسي به صديقه.
وقال أحد الشعراء يصف غناء غلامين:
ومغنيين يقربان لذي الهوى
ما شئت في معنى الهوى المتباعد
صفحة غير معروفة
نطقا لنا بلطافة وتوافق
فكأنما نطقا بصوت واحد (1) الغناء عند الفقهاء
وقد عقد مؤلف كتاب «غذاء الألباب» فصلا عن الغناء وما يتعلق به من أحكام، قال: أما الإمام مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب، وسئل مالك عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق.
وأما الإمام أبو حنيفة النعمان، فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة: سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم، لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة في المنع منه، قال الإمام ابن القيم في «إغاثة اللهفان»: مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب، وقوله فيه أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة، وقالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر، ويجب على المسلم أن يجتهد في ألا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره.
وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: الدار التي يسمع منها صوت المعازف والملاهي يجوز دخولها بغير إذن؛ لأن النهي عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذن؛ لامتنع الناس من إقامة الفروض.
أما الإمام الشافعي فقال في كتاب «أدب القضاء»: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال، من استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته، وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه، وأنكروا من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ، قال الشيخ أبو إسحاق في «االتنبيه»: الإجارة لا تصح على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر. ولم يذكر فيه خلافا.
وأما مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقد تقدمت الإشارة إليه، وقد أفتى في أيتام ورثوا جارية مغنية فأرادوا بيعها، فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة، فقالوا: إذا بيعت مغنية ساوت عشرين ألفا أو نحوها، وإذا بيعت ساذجة لا تساوي ألفين! فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة. فلو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الأيتام. (2) الخلفاء والغناء
وفي «الأغاني» (ج8، ص149) أن الغناء العربي لم يكن معروفا زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إلا ما كانت العرب تستعمله من الحداء ونحوه. قال: المنسوب إلى الخلفاء من الأغاني والملصق بهم منها لا أصل لجله ولا حقيقة لأكثره، لا سيما ما حكاه ابن خرداذبة فإنه بدأ بعمر بن الخطاب رضى الله عنه فذكر أنه تغنى بقول الشاعر: كأن راكبها غصن بمروحة. ثم والى بين جماعة من الخلفاء واحدا بعد واحد، كأن ذلك عنده ميراث من مواريث الخلافة، أو ركن من أركان الإمامة لا بد منه ولا معدل عنه، يخبط خبط العشواء ويجمع جمع حاطب الليل، فأما عمر بن الخطاب فلو جاز هذا أن يروى عن كل أحد لبعد عنه؛ وإنما روي أنه تمثل بهذا البيت وقد ركب ناقة فاستوطأها، لا أنه غنى به، وما كان الغناء العربي قد عرف في زمانه إلا ما كانت العرب تستعمله من النصب والحداء، وذلك جار مجرى الإنشاد إلا أنه يقع بتطريب وترجيع يسير، ورفع للصوت، والذي صح من ذلك عن رواة هذا الشأن فأنا ذاكر منه ما كان متقن الصنعة، لاحقا بجيد الغناء قريبا من صنعة الأوائل، وسالكا مذاهبهم، لا ما كان ضعيفا سخيفا، وجامع منه ما اتصل به خبر له يستحسن، ويجري مجرى هذا الكتاب وما تضمنه، فأول من رويت له صنعة منهم عمر بن عبد العزيز، فإنه ذكر عنه أنه صنع في أيام إمارته على الحجاز سبعة ألحان، فيها كلها ذكر سعاد، فبعضها عرفت الشاعر القائل له فذكرت خبره، وبعضها لم أعرف قائله فأتيت به كما وقع إلي، فإن مر بي بعد وقتي هذا أثبته في موضعه وشرحت من أخباره ما اتصل بي، وإن لم يقع لي ووقع إلى بعض من كتب هذا الكتاب، فمن أقل الحقوق عليه أن يتكلف إثباته ولا يستثقل تجشم هذا القليل، فقد وصل إلى فوائد جمة تجشمناها له ولنظرائه في هذا الكتاب، فحظي بها من غير نصب ولا كدح، فإن جمال ذلك موقر عليه إذا نسب إليه، وعيبه عنا ساقط مع اعتذارنا عنه إن شاء الله ...
ومن الناس من ينكر أن تكون لعمر بن عبد العزيز هذه الصنعة، ويقول إنها أصوات محكمة العمل لا يقدر على مثلها إلا من طالت دربته بالصنعة، وحذق الغناء ومهر فيه وتمكن منه، ولم يوجد عمر بن عبد العزيز في وقت من الأوقات، ولا حال من الحالات اشتهر بالغناء ولا عرف به ولا بمعاشرة أهله، ولا جالس من ينقل ذلك عنه ويؤديه، وإنما هو شيء تحسن المغنون نسبته إليه، وروي من غير وجه خلاف ذلك، وإثبات لصنعته إياها، وهو أصح القولين لأن الذين أنكروا ذلك لم يأتوا بحجة أكثر من هذا الظن والدعوى، ومخالفوهم قد أيدتهم أخبار رويت ...
وذكر النويري في «نهاية الأرب» (ج5، ص220) بعض من غنى من الخلفاء وأبنائهم، أو نسبت لهم أصوات من الغناء ونقلت عنهم، وذكر ما أورده أبو الفرج الأصفهاني في كتابه المترجم بالأغاني ونسبته أصواتا لجماعة منهم عمر بن عبد العزيز، ثم قال: ومنهم من أنكر ذلك، ولعل ما نقل عنه كان منه قبل الخلافة، وكان رحمه الله من أحسن الناس صوتا، فكان مما نسب إليه من الغناء:
صفحة غير معروفة
علق القلب سعادا
عادت القلب فعادا
كلما عوتب فيها
أو نهي عنها تمادى
وهو مشغوف بسعدى
وعصى فيها وزادا
ومما نسب إليه من الغناء ما قيل إنه غناه من شعر «جرير»:
قفا يا صاحبي نزر سعادا
لوشك فراقها ودعا البعادا
لعمرك إن نفع سعاد عني
صفحة غير معروفة
لمصروف ونفعي عن سعادا
إلى الفاروق ينتسب ابن ليلى
ومروان الذي رفع العمادا
ومن ذلك ما قيل إنه غناه من شعر الأشهب بن رميلة:
ألا يا دين قلبك من سليمى
كما قد دين قلبك من سعادا
هما سبتا الفؤاد وهاجتاه
ولم يدرك بذلك ما أرادا
قفا نعرف منازل من سليمى
دوارس بين حومل أو عرادا
صفحة غير معروفة
ذكرت لها الشباب وآل ليلى
فلم يزد الشباب بها مزادا
فإن تشب الذوائب أم عمرو
فقد لاقيت أياما شدادا
وممن غنى من خلفاء الدولة العباسية، ممن دونت له صنعته؛ الواثق بالله أبو جعفر هارون بن المعتصم بالله بن الرشيد.
حكى أبو الفرج الأصفهاني بسند رفعه إلى «إسحاق بن إبراهيم الموصلي» قال: دخلت يوما دار الواثق بالله بغير إذن إلى موضع أمر أن أدخله إذا كان جالسا، فسمعت صوت عود من بيت، وترنما لم أسمع أحسن منه، فأطلع خادم رأسه ثم رده وصاح بي، فدخلت وإذا أنا بالواثق بالله، فقال: أي شيء سمعت؟ فقلت: الطلاق - كاملا - لازم لي، وكل مملوك لي حر إن لم أكن قد سمعت ما لم أسمع مثله قط حسنا!
فضحك وقال: وما هو؟ إنما هذه فضلة أدب، وعلم مدحه الأوائل واشتهاه أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، والتابعون بعدهم، وكثر في حرم الله عز وجل ومهاجر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، أتحب أن تسمعه؟
قلت: إي والله الذي شرفني بخطابك وجميل رأيك، فقال: يا غلام، هات العود وأعط إسحاق رطلا، فدفع الرطل إلي وضرب وغنى في شعر لأبي العتاهية بلحن صنعه فيه:
صفحة غير معروفة
أضحت قبورهم من بعد عزتهم
تسفي عليها الصبا والحرجف الشمل
لا يدفعون هواما عن وجوههم
كأنهم خشب بالقاع منجدل
فشربت الرطل ثم قمت فدعوت له، فاحتبسني وقال: أتشتهي أن تسمعه بالله؟ فقلت: إي والله، فغنانيه ثانية وثالثة، وصاح ببعض خدمه وقال: احمل إلى إسحاق الساعة ثلاثمائة ألف درهم، ثم قال لي: يا إسحاق، قد سمعت ثلاثة أصوات، وشربت ثلاثة أرطال، وأخذت ثلاثمائة ألف درهم، فانصرف إلى أهلك مسرورا ليسروا معك، فانصرفت بالمال.
وقال أبو الفرج بسنده إلى «عريب المأمونية» قالت: صنع الواثق بالله مائة صوت، ما فيها صوت ساقط، ولقد صنع في هذا الشعر:
هل تعلمين وراء الحب منزلة
تدني إليك فإن الحب أقصاني
هذا كتاب فتى طالت بليته
يقول يا مشتكى بثي وأحزاني
صفحة غير معروفة