والروس: أمم كثيرة وأنواع شتى، ومنهم من يقال لهم اللوذعانة،وهم الأكثرون، يختلفن بالتجارة إلى بلاد الأندلس ورومية وقسطنطينية والخزر وقد كان بعد الثلاثمائة ورد عليهم نحو من خمسمائة مركب، في كل مركب مائة نفس، فدخلوا خليج نيطس المتصل ببحر الخزر، وهنالك رجال ملك الخزر مرتبين بالعدد القوية يصدون من يرد من ذلك البحر،ومن يرد من ذلك الوجه من البر الذي شعبه من بحر الخزر تتصل ببحر نيطس، وذلك أن بوادي الترك الغز ترد إلى ذلك البروتشتي هنالك، فربما يجمد هذا الماء المتصل من نهر الخزر إلى خليج نيطس، فتعبر الغز عليه بخيولها، وهوماء عظيم، فلاينخسف من تحتهم لشدة استحجاره، فتغير على بلاد الخزر، وربما يخرج إليهم ملك الخزر إذا عجز من هنالك من رجاله المرتبين عن دفعهم ومنعهم العبور على ذلك الجمد، وأما في الصيف فلا سبيل للترك إلى العبور، فلما وردت مراكب الروس إلى رجال الخزر المرتبين على فم الخليج راسلوا ملك الخزر في أ ان يجتازوا البلاد وينحدروا في نهره فيدخلوا نهر الخزر ويتصلوا ببحر الخزر الذي هو بحر جرنجان وطبرستان وغيرهما من بلاد الأعاجم على ما ذكرنا، ويجعلوا لملك الخزر النصف مما يغنمون ممن هناك من الأمم على ذلك البحر، فأباحهم ذلك، فدخلوا الخليج واتصلوا بمصب النهر فيه، وساروا مصعدين في تلك الشعبة من الماء، حتى وصلوا إلى نهر الخزر، وانحدروا فيه إلى مدينة آمل واجتازوا بها وانتهوا إلى فم النهر ومصبه إلى البحر الخزري، ومن مصب النهر إلى مدينة آمل وهو نهر عظيم وماء كثير فانتشرت مراكب الروس في هذا البحر، وطرحت سراياها إلى الجيل والديلم وبلاد طبرستان وآبسكون، وهي بلاد على ساحل جرجان وبلاد النفاطة، ونحو بلاد أذر بيجان، وذلك أن من بلاد أردبيل من بلاد أذر بيجان إلى هذا البحر نحو من نلاثة أيام، فسفكت الروس الدماء، واستباحت النسوان والولدان، وغنمت الأموال، وشنت الغارات، وأخربت، وأخرقت، فضج من حول هذا البحر من اللأمم، لأنهم لم يكونوا يعهدون في قديم الزمان عدوا يطرقهم فيه، إنما تختلف فيه مراكب التجار والصيد، وكانت لهم حروب كثيرة مع الجيل والديلم مع قائد لابن أبي الساج، فانتهوا إلى ساحل النفاطة من مملكة شروان المعروفة بباكة، وكانت الروس تأوي عند رجوعها من غاراتها الى جزائر تقرب من النفاطة على أميال منها، وكان ملك شروان يومئذعلي بن الهيثم، فاستعد الناس، وركبوا في القوارب، ومراكب التجار، وساروا نحو تلك الجزائر، فمالت عليهم الروس، فقتل من المسلمين وغرق ألوف، وأقام الروس شهورا كثيرة في هذا البحر على ما وصفنا لا سبيل لأحد ممن جاور هذا البحر من الأمم أليهم، والناس مهتابون لهم، حذرون منهم. لأنه بحر غامر لمن حوله من الأمم، فلما غنموا وسئموا ما هم فيه ساروا إلى فم نهر الخزر ومصبه، فراسلوا ملك الخزر وحملوا إليه الأموال والغنائم على ما اشترط عليهم، وملك الخزر لا مراكب له، وليس لرجاله بها عادة، ولولا ذلك لكان على المسلمين منهم آفة عظيمة، وعلم بشأنهم اللارسية ومن في البلاد الخزر من المسلمين، فقالوا لملك الخزر: خلنا وهؤلاء القوم فقد أغاروا على بلاد إخواننا المسلمين، وسفكوا الدماء، وسبوا النساء والذراري، فلم يمكن الملك منعهم، وبعث إلى الروس فأعلمهم بما قد عزم عليه المسلمون من حربهم، وعسكروا، وخرجوا يطلبونهم منحدرين مع الماء، فلما وقعت العين على العين خرجت الروس عن مراكبها وصافا المسلمين، وكان مع المسلمين خلق من النصارى من المقيمين بمدينة آمل وكان المسلمون في نحو خمسة عشر ألفا بالخيل والعدد، فأقام الحرب بينهم ثلاثة أيام، ونصر الله المسلمين عليهم، وأخذهم السيف: فمن قتيل، وغريق، ونجا منهم نحو خمسة آلاف، فركبوا في المراكب إلى ذلك ذلك الجانب مما يلي بلاد برطاس، وتركوا مراكبهم وتعلقوا بالبر فمنهم من قتله أهل برطاس، ومنهم من وقع إلى بلاد البرغز إلى المسلمين فقتلوهم، وكان من وقع عليه الإحصاء ممن قتله المسلمون على شاطىء نهر الخزر نحوا من ثلاثين ألفا، ولم يكن للروس من تلك السنة عودة إلى ما ذكرنا. قال المسعودي: وإنما ذكرنا هذه القصة دفعا لقول من زعم أن بحر الخزر متصل، ببحر مايطس وخليح القسطنطينية من جهة بحر مايطس ونيطس ولوكان لهذا البحر اتصال بخليج القسطنطينية من جهة بحر مايطس أو نيطس لكانت الروس قد خرجت فيه، إذ كان ذلك بحرها على ما ذكرنا، ولا خلاف بين من ذكرنا ممن تجاوز هذا البحر من الأمم في أن بحر الأعاجم لا خليج له متصل، بغيره من البحار ة لأنه بحر صغيريحاط بعلمه، وما ذكرنا من مراكب الروس فمستفيض في تلك البلاد عند سائر الأمم، والسنة معروفة، وكانت بعد الثلاثمائة. وقد غاب عني تاريخها، ولعل من ذكر أن بحر الخزر متصل بخليج القسطنطينية يريد أن بحر الخزر هو بحر مايطس ونيطس الذي هو بحر البرغز والروس، والله أعلم بكيفية ذلك. وساحل طبرستان على هذا البحر، وهنالك مدينة يقال لها الهم،وهي فرضة قريبة من الساحل، وبينها وبين مدينة آمل ساعة من النهار، وعلى ساحل جرجان، مما يلي هذا البحر، مدينة يقال لها آبسكون، على نحو من ثلاثة أيام من جرجان، وعلى هذا البحر الجيل والديلم، وتختلف المراكب بالتجارات فيه إلى مدينة آمل، فيدخل في نهر الخزر إليها وتختلف، المراكب فيه بالتجارات من المواضع التي سمينا من ساحله إلى باكة، وهي معدن النفط الأبيض وغيره، وليس في الدنياوالله أعلم نفط أبيض إلا في هذا الموضع، وهي على ساحل مملكة شروان، وفي هذه النفاطة أطمة، وهي عين من عيون النار لا تهدأ على سائر الأوقات تتضرم الصعداء.
حديث عن آطام النيران
ويقابل فذا الساحل في البحر جزائر: منها جزيرة على نحو ثلاثة أيام من الساحل فيها أطمة عظيمة تزفر في أوقات من فصول السنة فتظهر منها نار عظيمة تذهب في الهواء كأشمخ ما يكون من الجبال العالية فتضيء الأكثر . من هذا البحر، ويرى ذلك من نحو مائة فرسخ من البر، وهذه الأطمة تشبه أطمة جبل البركان من بلاد صقلية من أرض الإفرنجة ومن بلاد إفريقيةمن أرض المغرب، وليس في آطام الأرض أشد صوتا ولا أسود دخانا ولا كثر تلهبا من الأطمة التي في أعمال المهراج، وبعدها أطمة وادي برهوت، وهي نحوبلاد سبأ وحضرموت من بلاد الشحر، وذلك بين بلاد اليمن وبلاد عمان، وصوتها يسمع كالرعد من أميال كثيرة تقذف من قعرها بجمركالجبال وقطع من الصخورسود حتى يرتفع ذلك في الهواء ويدرك حسا من أميال كثيرة ثم ينعكس سفلافيهوي إلى قعرها وحولها، والجمر الذي يظهر منها حجارة قد أحمرت مما قد أحالها من مواد حرارة النار، وقد أتينا على علة تكون عيون النيران في الأرض، وما سبب موادها، في كتابناأخبار الزمان.
حديث عن البزاة
وفي هذا البحر جزائر أخرى مقابلة لساحل جرجان، يصاد منها نوع من البزاة البيض، وهذا النوع من البزاة أسرع الضواري إجابة، وأقلها معاشرة، إلا أن في هذا النوع من البزاة شيئا من الضعف، لأن الصائد يصطادها من هذه الجزائر فيغذيها بالسمك، فإذا اختلف عليها الغذاء عرض لها الضعف، وقد قال الجمهور من أهل المعرفة بالضواري وأنواع الجوارح من الفرس والترك والروم والهند والعرب: إن البازي إذا كان إلى البياض في اللون؛ فإنه أسرع البزاة وأحسنها وأنبلها أجساما، وأجرؤها قلوبا، وأسهلهارياضة وإنه أقوى جميع البزاة على السمو في الجو، وأذهبها الصعداء وأبعدها غاية في الهواء؛ لأن فيها من حرف الحرارة وجراءة القلب ما ليس في غيرها من جميع أنواع البزاة، وإن اختلاف ألوانها لاختلاف مواضعها، وإن من أجل ذلك خلصت البيض لكثرة الثلج في أرمينية وأرض الخزر وجرجان وما والاها من بلاد الترك.
وقد حكي عن حكيم من خواقين الترك وهم الملوك المنقادة إلىملكهم جميع ملوك الترك أنه قال: إن بزاة أرضنا إذا أسقطت أنفس فراخها من الوعاء إلى الفضاء سمت في آخر الجو إلى الهواء البارد الكثيف فأنزلت عواب تسكن هناك فتغذيها بها، فلا تلبث أن تقوى وتنهض لإسراع الغذاء فيها، وأنهم ربما وجدوا في أوكارها من تلك الدواب أشلاء.وقد قاك جالينوس : إن الهواء حار رطب، والبرد يعرض فيه لقوة الرياح المرتفعة ولا يخلوالجومن نشاء فيه وساكن.
وعن بليناس أنه قال: واجب إذا كان لهذين الاسطقصين يعني الأرض والماء خلق وساكن أن يكون للاسطقصين الأعليين يعني الهواء والنار خلق وساكن.
القول بأن الهواء مسكون
صفحة ٨٠