أما جبل القبخ فهوجبل عظيم، وصقعه صقع جليل، قد أشتمل على كثير من الممالك والأمم، وفي هذا الجبل اثنتان وسبعون أمة، كل أمة لها ملك ولسان بخلاف لغة غيرها، وهذا الجبل ذو شعاب وأودية، ومدينة الباب والأبواب على شعب من شعابه، بناها كسرى أنو شروان وجعلها بينه وبين بحر الخزر، وجعل هذا السور من جوف البحرعلى مقدار ميل منه مادا إلى البحر، ثم على جبل القبح مادا في أعاليه ومشخفضاته وشعابه نحوا من أربعين فرسخا، إلى أن ينتهي ذلك إلى قلعة يقال لها طبرستان، وجعل على كل ثلاثة أميال من هذا السور أو أقل أو أكثر على حسب الطريق الذي جعل الباب من أجله بابا من حديد، وأسكن فيه على كل باب من داخله أمة تراعي ذلك الباب وما يليه من السور، كل ذلك ليدفع أذى الأمم المتصلة بذلك الجبل. من الخزر واللان وأنواع الترك والسرير وغيرهم من أنواع الكفار، وجبل القبخ يكون في المسافة علوا وطولا وعرضا نحوا من شهرين، بل وأكثر، وحوله أمم لا يحصيهبم إلا الخالق عز وجل، أحد شعابه على بحر الخزر مما يلي الباب والأبواب على ما ذكرنا، ومن شعابه مما يلي بحر مايطس المقدم ذكره فيما سلف من هذا الكلام الذي ينتهي إليه خليج القسطنطينية، وعلى بحر طرابزندة، وهي مدينة على شاطىء هذا البحر لها أسواق في السنة يأتي إليها كثير من الأمم للتجارة من المسلمين والروم والأرمن وغيرهم من بلاد كشك ولما بني أنوشروان هذه المدينة المعروفة بالباب والأبواب والسور في البر والبحر والجبل أسكن هناك أمما من الناس وملوكا، وجعل لهم مراتب رتبهم عليها ووسم كل أمة منهم بسمة معلومة، وحد له حدا معلوما على حسب فعل أردشير بن بابك حين رتب ملوك خراسان، فممن رتب منهم أنوشروان من الملوك في بعض هذه البقاع والمواضع مما يلي الإسلام من بلاد بردعة ملك يقال له شروان، ومملكته مضافة إلى اسمه فيقال له شروان شاه، وكل ملك يلي هذا الصقع يقال له شروان، وتكون مملكته في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة نحوا من شهر لأنه كان تغلب على مواضع لم يكن رسمها له أنوشروان فانضافت إلى ملكه، والملك في هذا الوقت المؤرخ والله أعلم مسلم يقال له محمد بن يزيد، وهو من ولد بهرام جور، لاخلاف في نسبه، وكذلك ملك السرير من ولد بهرام جور، وكذلك صاحب خراسان في هذا الوقت المؤرخ من ولد إسماعيل بن أحمد، وإسماعيل من ولد بهرام جور، لاخلاف فيما ذكرنا من شهرة أنساب من ذكرنا، وقد تملك محمد بن يزيد هذا وهو شروان على مدينة الباب والأبواب، وذلك بعد موت صهر له يقال له عبد الملك بن هشام، وكان رجلا من الأنصار، وكان فيه إمرة الباب والأبواب، وقد كانوا قطنوا تلك الديار منذ دخلها مسلمة بن عبد الملك وغيره من أمراء الإسلام في صدر الزمان.
إيران
وتلى مملكة شروان مملكة اخرى من جبل القبخ يقال لها الإيران، وملكها يدعى الإيران شاه، وقد غلب على هذه المملكة في هذا الوقت شروان أيضا، وعلى مملكة اخرى يقال لها مملكة الموقانية، والمعول في مملكته على مملكة اللكز، وهي أمة لا تحصى كثرة ساكنة في أعالي هذا الجبل، ومنهم كفار لا ينقاعون إلى ملك شروان يقال لهم الدودانية جاهلية لا يرجعون إلى ملك، ولهم أخبار طريفة في المناكح والمعاملات، وهذا الجبل فأودية وشعاب وفجاج، وفيه أمم لا يعرف بعضهم بعضا لخشونة هذا الجبل وامتناعه وذهابه في الجو وكثرة غياضه وأشجاره وتسلسل المياه من أعلاه وعظم صخوره وأحجاره، وغلب هذه الرجل المعروف بشروان على ممالك كثيرة من هذا الجبل كان رسمها كسرى أنوشروان لغيره ممن رتب هناك، فأضافها محمد بن يزيد إلى ملكه: منها خراسان شاه وزادان شاه، وسنذكر بعد هذا الموضع تغلبه على مملكه شروان، وقد كان قبل ذلك على الإيران هو وأبوه من قبل، ثم على سائر الممالك.
طبرستان
وتلي مملكة شروان في جبل القبخ مملكة طبرستان، وملكها في هذا الوقت مسلم، وهو ابن أخت عبد الملك الذي كان أمير الباب والأبواب، وهي أول الامم المتصلة بالباب والأبواب.
جيدان
صفحة ٧٥