ولمن ذكرنا من الهند والصين في بلادهم ولغيرهم من الأمم أخلاق وشيم في الماكل والمشارب والمناكح والملابس والعلافي والأدوية والكي بالنار وغيره، وقد ذكر عن جماعة من ملوكهم أنهم لا يرون حبس الريح في أجوافهم لأنه داء يؤذي، ولا يحتشمون في إظهارها في سائر أحوالهم، وكذلك فعل حكمائهم، ورأيهم أن حبسها داء يؤذي، وأن إرسالها شفاء ينجي، وأن في ذلك العلافي الأكبر، وأن فيه راحة لصاحب القولنج والمحصور، وأن فيه داء للسقيم المطحول، ولا يحتشمون من الضرطة، ولا يحصرون الفسوة، ولا يرون ذلك عيبا، وللهند التقدم في صناعة الطب، ولهم فيه اللطافة والحذق، وذكر هذا المخبر عن الهند أن السعال عندهم أقبح من الضراط، وأن الجشاء في وزن الفساء، وأن صوت الضرطة دباغها والمذهب عنها ريحها، واستشهد هذا المخبر على صحة ما حكاه عن الهند باستفاضة القول في ذلك في كثير من الناس عنهم، حتى ذكر ذلك عنهم في السير والأخبار والنوادر والأشعار؛ فمن ذلك ما ذكر أبان بن عبد الحميد في الأرجوزة المعروفة بذات الحلل.
وأن الريح واححة في الجوف، وإنما تختلف أسمائها باختلاف مخارجها، فما يذهب صعدا يسمى جشاء، وما يذهب سفلا يسمى فساء، ولا فرق بين الريحين إلا باختلاف المخرجين، كما يقال الصفعة واللطمة، إلا أن اللطمة في الوجه والصفعة مؤخر الرأس والقفا، والجنس واحد، وإنما اختلفت اسماؤها لاختلاف الموضعين وتباين المكانين، وأن الحيوان الناطق إنما كثرت علله، وترادفت أد واؤه، واتصلت أمراضه كالقولنج وأوجاع المعدة وغيرها من العوارض بحبس الداء في جوفه وترك إظهاره في حال هيجانه وتفرغ الطبيعه لدفعه وإخراجه، وأن سائر الحيوان غير الناطق إنما بعد عما ذكرنا من الآفات والمعترضات من العاهات لسرعة خروج ما يعرض ويثور من الأدواء في أجوافها وعدم احتباسها في وعائها، وأن الفلاسفة والمتقدمين من الحكماء اليونانيين كديموقرطيس وفيثاغورس وسقراط وديوجانس وغيرهم من حكماء الأمم لم يكونوا يرون حبس شيء من ذلك لعلمهم بما يتولد من آفاته، ويؤول إليه من متعقباته، وأن ذلك يجده في نفسه كل في حس، وأن ذلك يعلم بالطبيعة، ويدرك بضرورة العقل، وإنما استقبح ذلك اناس من أ صحاب الشرائع والكتب لما ورد ت به الشرائع ومنعت منه الملل، ولم يجر ذلك في عاداتهم.قال االمسعودي: وقد أتينا على أخبارهم وما أحكمنا من ذكر شيمهم وعجائب سيرهم ومتصرفاتهم في كتابنا أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط، وكذلك أتينا على ذكر أخبار المهراج ملك الجزائر والطيب والأفاوية مع سائرملوك الهند ومع القنجب وغيره من ملوك الجبال مما قابل هذه الجزائر كالزابج وغيرها من بلاد الصين، وأخبار ملوك الصين وملك سرنديب مع ملك مندورفين، وهي بلاد مقابلة لجزيرة سرنديب كمقابلة بلاد قمار لجزائر المهراج من الزانج وغيرها، وكل ملك تملك بلاد مندورفين يسمى المقايدي، وسنأتي بجمل من أخبار ملوك الشرق والغرب واليمن والحيرة فيما يرد من هذا الكتاب ومن أخبار ملوك اليمن والفرس والروم واليونانيين والمغرب وأنواع الأحابيش والسودان وملوك الصين ولد يافث، وغير ذلك من أخبار العالم وعجائب الأمم.
ذكر جبل القبخ وأخبار الأمم من الان والسرير والخزر وأنواع الترك والبرغز وغيرهم وأخبار الباب والأبواب ومن حولهم من الملوك والأمم.
جبل القبخ
صفحة ٧٤