ويبادي أهل الباب والأبواب مملكة يقال لها جيدان، وهذه الأمةداخلة في جملة ملوك الخزر، وقد كانت دار مملكتها مدينة على ثمانية أيام من مدينة الباب يقال لها سمندر، وهي اليوم يسكنها خلق من الخزر، وذلك أنها افتتحت في بدء الزمان، افتتحها سليمان بن ربيعة الباهلي رضي الله تعالى عنه، فانتقل الملك عنها إلى مدينة آمل، وبينها وبين الأولى سبعة أيام، وآمل التي يسكنها ملك الخزر في هذا الوقت ثلاث قطع يقسمها نهرعظيم يرد من أعالي بلاد الترك ويتشعب مته شعبة نحوبلاد البرغز وتصب في بحر مايطس، وهذه المدينة جانبان، وفي وسط هذا النهر جزيرة فيها دار الملك، وقصر الملك في وسط هذه الجزيرة، وبها جسر إلى أحد الجانبين من سفن، وفي هذه المدينة خلق من المسلمين والنصارى واليهود والجاهلية؛ فأما اليهود فالملك وحاشيته والخزر من جنسه، وكان تهود ملك الخزر في خلافة هرون الرشيد، وقد انضاف إليه خلق من اليهود وردوا عليه من سائر أمصار المسلمين ومن بلاد الروم، وذلك أن ملك الروم في وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة، وهم أرمنوس نقل من كان في ملكه من اليهود إلى دين النصرانية وأكرههم، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب كيفية أخبار ملوك الروم، وأعدادهم، وأخبار هذا الملك ومن قد شاركه في ملكه في هذا الوقت المؤرخ، فتهارب خلق من اليهود من أرض الروم إلى أرضه على ما وصفنا، وكاذ لليهود مع ملك الخزرخبر ليس هذا موضع ذكره.
عادة حرق الموتى وسائر حوائجهم
وقد ذكرناه فيما سلف من كتبنا. وأما من في بلاده من الجاهليه فأجناس: منهم الصقالبة، والروس، وهم في أحد جانبي هذه المدينة، ويحرقون موتاهم ودواب ميتهم وآلاته والحلى، وإذا مات الرجل أحرقت معه امرأته وهي في الحياة. وإن ماتت المرأة لم يحرق الرجل، وإذا مات منهم أعزب زوج بعد وفاته والنساء يرغبن في تحريق أنفسهن لدخولهن عند أنفسهن الجنة، وهذا فعل من أفعال الهند على حسب ما ذكرنا آنفا، إلا أن الهند ليس من شأنها أن تحرق المرأة مع زوجها إلا أن ترى ذلك المرأة والغالب في هذا البلد المسلمون؛ لأنهم جند الملك، وهم يعرفن في هذا البلد باللارسية، وهم ناقلة من نحو خوارزم، وكان في قديم الزمان بعد ظهور الإسلام وقع في بلادهم جدب، ووباء، فانتقلوا إلى ملك الخزر، وهم فو بأس وشدة، وعليهم يعول ملك الخزر في حروبه، وأقاموا في بللى على شروط بينهم، أحدها إظهار الدين والمساجد والأذان، وثانيها أن تكون وزارة الملك فيهم، والوزير في وقتنا هذا منهم هو أحمد بن كويه، وثالثها أنه متى كان لملك الخزر حرب مع المسلمين وقفا في عسكره منفردين عن غيرهم لا يحاربون أهل ملتهم، ويحاربون جهل ملتهم، ويحاربون معه سائر الناس من الكفار، ويركب منهم مع الملك في هذا الوقت شخوص منهم سبعة آلاف ناشب بالجواشن والدروع والخوذ ومنهم رامحة أيضا على حسب ما في المسلمين من آلات السلاح، ولهم قضاة مسلمون، ورسم دار مملكة الخزر أن يكون فيها قضاة سبعة: اثنان منهم للمسلمين، واثنان للخزر يحكمان بحكم التوراة، وائنان لمن بها من النصرانية يحكمان بحكم النصرانية، وواحد منهم للصقالبة والروس وسائرالجاهلية يحكم بأحكام الجاهلية وهي قضايا عقلية؛ فإذا ورد عليهم ما لا علم لهم به من النوازل العظام اجتمعوا إلى قضاة المسلمين فتحاكموا إليهم انقادوا إلى ما توجبه شريعة الإسلام، وليس في ملوك الشرق في هذا لصقع من له جند مرتزقة غير ملك الخزر، وكل مسلم من تلك الديار مرف بأسماء هؤلاء القوم اللارسية، والروس والصقالبة الذين ذكرنا أنهم جاهلية هم جند الملك وعبيده، وفي بلاده خلق من المسلمين تجاروصناع غير اللارسية فروا إلى بلاده لعدله وأمنه، ولهم مسجد جامع، والمنارة تشرف على قصر الملك، ولهم مساجد أخرى فيها المكاتب لتعليم الصبيان القرآن، فإذا اتفق المسلمون ومن بها من النصارى لم يكن للمك بهم طاقة.
مراسم خاقان
صفحة ٧٦