وبعضهم قال: ترفعه الشمس لتغتذي به، وقال بعضهم: بل يعود بالاستحالة ماء إذا صار بارتفاعه إلى الموضع الذي يحصره البرد فيه، ويكيفه.ومنهم من ذكر أن الماء الذي هو أسطقس: ما كان منه عن الهواء وما يعرض منه من البرد يكون حلوا، وما كان منه في الأرض لما يناله من الاحتراق والحرارة يكون مرا.ومن أهل البحث من قال: إن جمع الماء الذي يفيض إلى البحرمن جميع ظهور الأرض وبطونها إذا صار إلى تلك الحفرة العظيمة فهو مضاض من مضاض، والأرض تقذف إليه ما فيها من الملوحة، والني في الماء من أجزاء النار التي تخرج إليه من بطون الأرض ومن أجزاء النيران المختلطة يرفعان لطائف الماء بارتفاعهما وتبخرهما 4 فإذا رفعا اللطائف صار منها ما يشبه المطر، وكان ذلك دأبهما وعادتهما، ثم يعود ذلك الماء مالحالأن الأرض إذا كانت تعطيه الملوحة، والنيران تخرج منها العفبة واللطافة، كان واجبا أن يعود إلى الملوحة وكذلك يكون ماء البحر على كيل واحد ووزن واحد ة لأن الحرير يرفع اللطيف فيصير طلا وماء، ثم تعود تلك الأندية سيولا، وتطلب الحدور والقرار، وتجري في أعماق الأرض حتى يصير إلى ذلك الهور، فليس يضيع من ذلك الماء شيء، ولا يبطل منه شيء، والأعيان قائمة كمنجنون غرف من نهر وصب إلى حفرة تفيض إلى ذلك النهر، وقد شبه ذلك قوم بأعضاء الحيوان إذا اغتذت وعملت الحرارة في غذائه فاجتذبت منه ماء عذب إلى الأعضاء المغتذية به،وخلفت ما ثقل منه، وهو المالح والمر، فمن ذلك البول والعرق، وهذا فضول الأغذية فيها، ولما كانت عن رطوبات عذبة أحالتها الحرارة إلى المرارة والملوحة، وإن الحرارة لو زادت أكثر من مقدارها لصار الفضل مرا زائدا على ما يوجد من العرق والبول ث لوجودنا كل محترق مرا.هذا قول جماعة ممن تقدم، وأما ما يوجد بالعيان وإيقاع المحنة عند المباشرة فإن كل الرطوبات فات الطعوم إذا صعدت بالقرع والأنابيق بقيت روائحها وطعومها فيما يرتفع منها كالخل والنبيذ والورود والزعفران والقرنفل، إلا المالحة فإنها تختلف طعومها وروائحها، ولا سيما إن صعدت مرتين وأسخنت مرة بعد أخرى.وقد ذكر صاحب المنطق في هذا المعنى كلاما كثيرا ا: من ذلك أن الماء المالح أثقل من الماء العذب، وجعل الدلالة على ذلك أن الماء المالح كدر غليظ والماء العذب صاف رقيق، وأنه إذا أخذ شيء من الشمع فعمل منه إناء ثم سد رأسه وصيرني ماء مالح وجد ذلك الماء الذي وصل إلى داخل الإناء عذبا في الطعم خفيفا في الوزن، ووجد الماء المحيط به على خلاف ذلك، وكل ماء يجري فهونهر، وحيث ينبع فهوعين، وحيث يكون معظم الماء فهوبحر. قال المسعودي: وقد تكلم الناس في المياه وأسبابها، وأكثروا، وقد ذكرنا في كتابناأخبار الزمان في الفن الثاني من جملة الثلاثين فنا ما أوردوه من البراهين في مساحة البحار ومقاديرها، والمنفعة في ملوحة مائها، واتصال بعضها ببعض وانفصالها، وعدم بيان الزيادة فيهاوالنقصان، ولأية علة كان الجزر والمد في البحر الحبشي أظهر من لمحون سائر البحار، ووجدت نواخذة بحر الصين والهند والسند والزنج واليمن والقلزم والحبشة من السيرافيين والعمانيين يخبرون عن البحر الحبشي في أغلب الأمور على خلاف ما ذكرته الفلاسفة وغيرهم ممن حكينا عنهم المقادير والمساحة، وإن ذلك لا غاية له، وفي مواضع منه شاهدت أربابالمراكب في البحر الرومي من الحربية والعمالة وهم النواتي وأصحاب الرحل والرؤساء ومن يلي تدبير المراكب والحرب فيهم، مثل لاوي المكنى بأبي الحرب غلام زراقة صاحب طرابلس الشام من ساحل دمشق، وذلك بعد الثلثمائة يعظمون طول البحر الرومي وعرضه، وكثرة خلجانه وتشعبه، وعلى هذا وجدت عبد الله بن وزير صاحب مدينة جبلة من ساحل حمص من أرض الشام، ولم يبق في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة أبصر منه في البحر الرومي، ولا أسن منه، وليس فيمن يركبه من أصحاب المراكب من الحربية والعمالة إلا وهو منقاد إلى قوله، ويقر له بالبصر والحنق، مع ما هو عليه من الديانة والجهاد القديم فيها، وقد ذكرنا عجائب هذه البحار وما سمعناه ممن ذكرنا من أخبارها وآفاتها، وما شاهدوا فيها فيما سلف من كتبنا، وسنورد بعد هذا الموضمع جملا من أخبارها.
علامات لمعرفة وجود المياه
وقد ذهب قوم في علامات المياه ومستقرها من الأرض مذهبا، وسيم هوأن يرى في المواضع التي يكون فيها الماء منابت القصب والحلفاء واللين من الحشيش؟ فذلك دلالة على قرب الماء لمن أراد الحفر، وأن ما عدا ذلك فعلى البعد.ووجدت في كتاب الفلاحة أن من أراد أن يعلم قرب الماء وبعده فليحفر في الأرض قدر ثلاثة أفرع أو أربعة، ثم يأخذ قحدرا من نحاس أو إجانة خزف، فيدهنها بالشحم من داخلها مستويا، ولتكن القدر واسعة الفم، فإذا غابت الشمس فخذ صوفة بيضاء منفشة مغسولة، وخذ حجرا قدر بيضة، فلف ذلك الصوف عليه مثل الكرة، ثم أطل جانب الكرة بموم مذاب وألصقها في أسفل ذلك القدر الذي قد دهنته بدهن أو شحم ثم ألقها في أسفل الحفيرة فإن الصوف يصير معلقا والموم يمسكه، ويصير إلى مكان الحجر معلقا، ثم احث على الإناء التراب قدر ذراعين أو ذراع، ودعه ليلتك كلها، فإذا كان الغد قبل طلوع الشمس فاكنس التراب عنه، وارفع الإناء، فإن رأيت الماء ملزقا بالإناء من داخل قطرا كثيرا بعضه قريب من بعض والصوفة ممتلئة فإن في ذلك المكان ماء، وهو قريب، وإن كان القطر متفرقا لا بالمجتمع ولا بالمتقارب والصوفة ماؤها وسط فإن الماء ليس بالبعيد ولا بالقريب، وإن كان القطر ملتزقا متباعدا بعضه عن بعض والماء في الصوفة قليل، فإن الماءبعيد، وإن لم ترعلى الإناء قطرا قليلا ولا كثيرا ولا على الصوفة ماء فإنه ليس في ذلك الموضع ماء، فلا تتعن في حفره.ووجدت في بعض النسخ من كتاب الفلاحة في هذا المعنى أن من أراد علم ذلك فلينظر إلى قرى النمل، فإن وجد النمل غلاظا سي ا ثقيلة المشي فلينظر فعلى قدرثقل مشيهن الماء قريب منهن، وإن وجد النمل سريع المشي لا يكاد يلحق فالماء على أربعين ذراعا، والماء الأول يكون عذبا طيبا والثاني يكون ثقيلا مالحا.فهذه جملة علامات لمن يريد إستخراج الماء، وقد أتينا على مبسوط ما ذكرنا في كتابنا أخبار الزمان لأ وإنما نذكر في هذا الكتاب ما تدعو الحاجة إلى ذكره بالإشارة إليه دون بسطه وإيضاحه.وإذ قد ذكرنا جملا من أخبار البحار وغيرها، فلنقل في أخبار ملوك الصين وغيرها وأهلها، وغيرذلك مما لحق به، إن شاء الله تعالى.
دكر ملوك الصين والترك وتفرق ولد عابور وأخبار الصين وغير ذلك مما لحق بهذا الباب
القول في أنساب الصين
صفحة ٥٠