قد تنازع الناس في أنساب أهل الصين وبدئهم: فذكر كثير منهم أن ولد عابوربن سوبيل بن ياقث بن نوح لما قسم فالغ بن عابربن إرفخشذ بن سام بن نوح الأرض بين ولد نوح ساروا يسرة في الشرق، فسار قوم منهم من ولد أرعو على سمت الشمال، وانتشروا في الأرض فصاروا عدة ممالك: منهم الديلم، والجيل، والطيلسان، والتتر، وفرغان فأهل جبل القبق من أنواع اللكز ثم اللان والخزر والأنجاد والسرير وكشك، وسائر تلك الأمم. المنتشرة في ذلك الصقع، إلى بلاد طوابريدة إلى بحر مانطش ونيطش وبحر الخزر إلى البرغو ومن اتصل بهم من الأمم، وعبر ولد عابور نهر بلخ، ويمم بلاد الصين الأكثر منهم، وتفرقوا عدة ممالك في تلك البلاد وانتشروا في تلك الديار، فمنهم الجيل، وهم سكان جيلان، والأشر وسنة والصغد، وهم بين بخارى وسمرقند، ثم الفراغنة والشاش واستيجاب رأهل بلاد الفاراب؛ فبنوا المدن والضياع، وانفرد منهم أناس غير هؤلاء فسكنوا البوادي: فمنهم الترك والخزلج والطغرغر، ومنهم أصحاب مدينة كوشان، وهي مملكة بين خراسان وبلاد الصين، وليس في أجناس الترك وأنواعهم في وقتنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة أشد منهم بأسا، ولا أكثر منهم شوكة، ولا أضبط ملكا، وملكهم أيرخان، ومذهبهم مذهب المانية، وليس في الترك من يعتقد هذا المذهب غيرهم، ومن الترك الكيماكية والبرسخانية والبدية والجعرية، وأشدهم بأسأ الغزية، وأحسنهم صورة، وأطولهم قأمة، وأصبحهم وجوها: الخزلجية، وهم أهل بلاد فرغانة والشاش وما يلي ذلك الصقع، وفيهم كان الملك، ومنهم خاف الخواقين، وكان يجمع ملكه سائر ممالك الترك، وتنقاد إ.ليه ملوكها، ومن هؤلاء الخواقين كان فراسياب التركي الغالب على بلاد فارس، ومنهم سانة، ولخاقان الترك في وقتنا هذا تنقاد ملوك الترك كلهم منذ خربت المدينة المعروفة بعمات، وهي في مفاوز سمرقند، وقد ذكرنا انتقال الملك عن هذه المدينة، والسبب في ذلك في كتابنا المترجم بالكتاب الأوسط، ولحق فريق من ولد عابور بتخوم الهند، فأثرت فيهم تلك البقاع فصارت ألوانهم بخلاف ألوان الترك، ولحقوا بألوان الهند، ولهم حضر وبواد، وسكن فريق منهم ببلاد التبت، وملكوا عليهم ملكا وكان ينقادإلى ملك خاقان، فلما زال ملك خاقان على ما قدمنا، وسمى أهل التبت ملكهم بخاقان تشبيهأ بمن تقدم من ملوك الترك وخاقان الخواقين.وسار الجمهور من ولد عابور على ساحل البحر حتى انتهواإلى أقاصيه من بلاد الصين، فتفرقوا في تلك البقاع والبلاد، وقطنوا الديار وكوروا الكور، ومصروا الأمصار ومذنوا المدن، واتخفا لمملكتهم مد عظيمة، وسموها انموا، وبينها وبين ساحل البحر الحبشي وهو بحر الصين مسافة ثلاثة أشهر مدن وعمائر متصلة.
ملك نسطرطاس
وكان أول ملك تملك عليهم في هذه الديار وهي انموا نسطرطاس بن باعوربن مدتج بن عابور بن يافث بن نوح، فكان ملكه ثلثمائة سنة ونيفا، وفرق أهله في تلك الديار، وشقق الأنهار، وقت السباع، وغرس الأشجار وأطعم الثمار، وهلك.
ملك عوون
فملك ولد له يقال له عوون فجعل جسد أبيه في تمثال من الذهب لأحمر جزعا عليه، وتعظيما له، وأجلسه على سرير من الذهب الأحمر مرصع بالجواهر وجعل مجلسه دونه، وأقبل يسجد لأبيه وهو في جوف تلك الصورة، هو وأهل مملكته، في طرفي النهار إجلالا له، وعاش بعد أبيه،مائتي سنة وخمسين سنة، وهلك.
ملك عيثدون
فملك ولد له يقال له عيثدون فجعل جسد أبيه مخزونا في تمثال من الذهب الأحمر، وجعله دون مرتبة جده على سرير من الذهب ورصعه بأنواع الجواهر وكان يسجد له، ويبدأ بجده الأول ثم بأبيه، وأهل مملكته يسجدون له وأحسن السياسة للرعية، وسواهم في جميع أمورهم، وشملهم، بالعدل، فكثر النسل وأخصبت الأرض فكان ملكه إلى أن هلك نحوا من مائتي سنة.
ملك غيثنان
ثم ملك بعدهولده غيثنان فجعل أباه في تمثال من الذهب الأحمر جرى فيه على ما سلف من أفعالهم من السجود والتعظيم، وطال ملكه واتصلت بلاده ببلاد الترك من بني عمه، فعاش أربعمائة سنة، واتخذ في أيامه كثيرا من المهن مما لطف في الدور من الصنائع.
ملك حراتان
صفحة ٥١