والدولة السيئة تفتقر إلى الوحدة، فهي تضم الفقراء والأغنياء، وهي في حالة حرب دائمة مع نفسها؛ ولهذا فمن السهل الانتصار عليها وغزوها من الخارج.
أما الدولة الخيرة فمتحدة؛ لأن حكامها الذين يعرفون «مثال» الوحدة يحرصون على تحقيقه فيها ...
والدولة السيئة مريضة تفتقر إلى الصحة؛ لأنها تستنفد طاقتها في القضايا والمحاكمات بحيث يثري المحامون من وراء المنازعات بين المواطنين. أما الدولة الخيرة فتتمتع بالصحة وتحيا في تناغم وتجانس وانسجام. إن الحراس يحافظون عليها، والحكام يعنون بها كما يعنى أفضل الأطباء بمريضه. وهي تتميز في مجال الاقتصاد بالأسعار الثابتة التي لا تقبل المساومة. أما في مجال القضاء فإن القانون يأخذ مجراه دون حاجة إلى القضايا والمحاكمات ...
ليست للدولة السيئة شكل ثابت؛ لأنها معرضة لمحاولات التغيير المستمرة التي تنجم عن السخط العام. أما الدولة الخيرة بشكلها الثابت الذي تستمده من ترتيبها في ثلاث طبقات «تتفق مع الترتيب الثلاثي في مجال الوجود: وجود، وصيرورة، وفراغ كوني، أو التقسيم الثلاثي لمجالات الكون: العقل «أو الفكرة»، والنفس، والعالم المادي»، فقد يتغير دستورها من حين إلى حين، ولكن ترتيبها الثلاثي يظل ثابتا. وهي ليست بحاجة إلى قوانين مدونة؛ لأن قواها تتجدد باستمرار في حركة دائرية من المركز إلى الأطراف؛ إذ يعرف الحكام كيف يختارون الصفوة اختيارا دقيقا، ويعلمون أي الطبائع من ذهب وأيها من فضة ... «هؤلاء «العارفون» قد تلقوا التربية الصحيحة. ومهمة التربية في رأيهم تنحصر في تنشئة طبقة «الحراس» بحيث يمثلون في كيان الدولة العضوي الحي ما تمثله قوة الإرادة العاقلة في كيان الفرد، القوة التي تعرف الواجبات وتحققها في وقت واحد. إنهم يوفقون بين المعرفة والإرادة بالمعنى الذي فهمه سقراط».
هذه الطبقة التي يتحد فيها الجنود والموظفون هي التي يعتمد عليها بقاء الدولة الخيرة، وهي التي تحفظها من السقوط والزوال. إن الحكام الذين يحتاج إليهم يختارون منها بدقة - على أساس الحكمة لا على أساس الأرستقراطية - والحكام بدورهم يحرصون، كما تقدم، على تنشئة الحراس وتربيتهم على أكمل وجه ممكن. وتصرف الحكام مع هؤلاء الحراس يشبهه في النفس الفردية تصرف العقل الخالص مع الإرادة العاقلة، فالحكام هم «العقل المدبر»
1
والحراس هم الإرادة العاقلة،
2
أما الطبقة الثالثة
3
صفحة غير معروفة