وحده الشيخ أبو الحسين بأنه ظهور أمر للحي ظهورا يمتنع معه في نفسه تجويز خلافه، وليس بسديد /5/ لأن الظهور أمر يختص بالمعلوم، والعلم أمر يختص بالعالم وأيضا فالظهور هنا مجان ولا قرينة تشعر بالمراد، وأيضا فلا يصح إطلاقه على الله تعالى، فلا يقال ظهر لله هذا الأمر ولا ينقلب علينا هذا في الاعتقاد؛ لأنا إنما حددنا العلم في الشاهد، والباري تعالى عندنا عالم لا بعلم.
فأما أبو الحسين فإنه حد العلم شاهدا وغائبا؛ لأن المرجع به عنده إلى التعلق في الموضعين، وأيضا فإن أراد بقوله يمتنع تجويز خلافه، أي يستحيل، فغير صحيح؛ لأن أحدنا قد يختار الجهل(1)، ويجوز في نفسه خلاف المعلوم في المسائل الاستدلالية، وإن حصل هذا الظهور ، وإن أراد يمتنع أحدنا من التجويز أي لا يفعله مع القدرة عليه فغير صحيح؛ لأن أحدنا كما يمتنع من هذا التجويز عند حصول هذا الظهور، فإنه قد يمتنع منه عند اعتقاد حصول هذا الظهور، وهو لم يعتبر في الحد سكون النفس حتى يتميز به الظهور الحقيقي وغير الحقيقي.
فصل والعلم ضربان: تصور وتصديق.
فالتصور: هو العلم بصور الأشياء ومفرداتها، ومعنى ذلك: أنه يحصل في ذهن الإنسان صورة مطابقة لما في الخارج. ومنه قولهم تصورت هذا الشيء، أي علمت صورته.
والتصديق: هو العلم بالنسب الحاصلة بين تلك المفردات بإثبات أو نفي، وسمي تصديقا لصحة دخول التصديق في الخبر المطابق له، وكل واحد من هذين القسمين ضروري ومكتسب، فالضروري منهما هو الاعتقاد الذي لا يقف على اختيار المختص به مع سكون النفس.
وقلنا: مع سكون النفس احترازا من أن يفعل الله فيه اعتقادا غير مطابق، فإن ذلك جائز من جهة القدرة والمكتسب ما يقف على اختياره كذلك.
صفحة ٩