الكلام في معرفة الصانع جل وعز
اعلم أن الكلام في العلم بالله هو يترتب على أربع مقدمات:
الأولى في ماهية العلم وقسمته لما ستعرف إن شاء الله تعالى من أن علم التصور مقدم على علم التصديق.
والثانية: في وجوب معرفة الله تعالى لأنها هي المقصود من الكتاب كله.
والثالثة: في النظر؛ لأنه الطريق إليها. والرابعة: في الأدلة؛ لأنها متعلق للنظر، ثم يقع الكلام بعد ذلك في تفاصيل أبواب الكتاب.
القول في ماهية العلم وقسمته وما يتصل بذلك
العلم والمعرفة والفهم والدرية والفقه في اللغة بمعنى واحد بدليل أنه لا يصح إثبات بعضها ونفي بعض. وفي الاصطلاح: هو الاعتقاد الذي يكون معتقده أو ما يجري مجراه على ما تناوله مع سكون النفس إليه.
قلنا: الاعتقاد ليدخل فيه الجهل والتقليد والتبخيت. وقلنا على ما تناوله ليخرج الجهل. وقلنا: مع سكون النفس؛ ليخرج التقليد والتبخيت حيث يطابقان معتقدهما، فأما حيث لا يطابقانه فهما جهل، لكن خصا بهذه التسمية لمعنى آخر فإن حقيقة التقليد هو اعتقاد الشيء لمجرد أن الغير قال به، ولهذا لا نكون نحن مقلدين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ما جاء به؛ لأنا لم نعتقده لمجرد قوله، بل للحجة، وكذلك علماء المخالفين ليسو مقلدين لأسلافهم؛ لأنهم لم يعتقدوا ما قالوه لمجرد قولهم بل للشبهة.
وحقيقة التبخيت هو اعتقاد الشي هجوما وخبطا لا لأمر، فبهذا يفارقان الجهل، وحاصل الفرق بينهما وبينه أنهما أعم منه من وجه وأخص من وجه، وهو بالعكس، فعمومهما من حيث يسميان بهذه التسمية سواء طابقا معتقدهما أو لا، وعمومه من حيث يسمى جهلا سواء استند إلى قول الغير أم لا، وسواء فعل هجوما وخبطا أو لا.
واردنا بالمعتقد: ما يكون سببا كالذوات، وبما يجري مجراه ما لا يكون شيئا كالصفات والأحكام والأمور السلبية. وأردنا بسكون النفس: التفرقة التي يجدها أحدنا بين أن يعتقد كون زيد في الدار بالمشاهدة أو بخبر نبي، وبين أن يعتقد ذلك بخبر رجل من أفناء الناس، ولفظ الاعتقاد والسكون مجاز تشبها بعقد الخيط والسكون المقابل للحركة، لكن إضافته إلى النفس قرينة تشعر بالمراد.
صفحة ٨