وَحشر الْكَافرين جمعهم وضمهم الى النَّار قَالَ تَعَالَى يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ الى الرَّحْمَن وَفْدًا وَقَالَ تَعَالَى احشروا الَّذين ظلمُوا أَزوَاجهم وَمَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله فاهدوهم الى صِرَاط الْجَحِيم فَهَذَا الْحَشْر هُوَ بعدحشرهم الى الْموقف وَهُوَ حشرهم وضمهم الى النَّار لانه قد اخبر عَنْهُم انهم قَالُوا يَا ويلنا هَذَا يَوْم الدّين هَذَا يَوْم الْفَصْل الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون ثمَّ قَالَ تَعَالَى احشروا الَّذين ظلمُوا وازواجهم وَهَذَا الْحَشْر الثَّانِي وعَلى هَذَا فهم مَا بَين الْحَشْر الاول من الْقُبُور الى الْموقف والحشر الثَّانِي من الْموقف الى النَّار فَعِنْدَ الْحَشْر الاول يسمعُونَ ويبصرون ويجادلون ويتكلمون وَعند الْحَشْر الثَّانِي يحشرون على وُجُوههم عميا وبكما وصما فَلِكُل موقف حَال يَلِيق بِهِ ويقتضيه عدل الرب تَعَالَى وحكمته فالقرآن يصدق بعضه بَعْضًا وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا
فصل وَالْمَقْصُود ان الله ﷾ لما اقْتَضَت حكمته وَرَحمته إِخْرَاج
آدم وَذريته من الْجنَّة اعاضهم افضل مِنْهَا وَهُوَ مَا اعطاهم من عَهده الَّذِي جعله سَببا موصلا لَهُم اليه وطريقا وَاضحا بَين الدّلَالَة عَلَيْهِ من تمسك بِهِ فَازَ واهتدى وَمن اعْرِض عَنهُ شقى وغوى وَلما كَانَ هَذَا الْعَهْد الْكَرِيم والصراط الْمُسْتَقيم والنبأ الْعَظِيم لَا يُوصل اليه ابدا إِلَّا من بَاب الْعلم والارادة فالارادة بَاب الْوُصُول اليه وَالْعلم مِفْتَاح ذَلِك الْبَاب المتوقف فَتحه عَلَيْهِ وَكَمَال كل انسان إِنَّمَا يتم بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ همة ترقيه وَعلم يبصره ويهديه فَإِن مَرَاتِب السَّعَادَة والفلاح إِنَّمَا تفوت العَبْد من هَاتين الْجِهَتَيْنِ اَوْ من احداهما اما ان لَا يكون لَهُ علم بهَا فَلَا يَتَحَرَّك فِي طلبَهَا اَوْ يكون عَالما بهَا وَلَا تنهض همته اليها فَلَا يزَال فِي حضيض طبعه مَحْبُوسًا وَقَلبه عَن كَمَاله الَّذِي خلق لَهُ مصدودا منكوسا قد أسام نَفسه مَعَ الانعام رَاعيا مَعَ الهمل واستطاب لقيعات الرَّاحَة والبطالة واستلان فرَاش الْعَجز والكسل لَا كمن رفع لَهُ علم فشمر اليه وبورك لَهُ فِي تفرده فِي طَرِيق طلبه فَلَزِمَهُ واستقام عَلَيْهِ قد ابت غلبات شوقه الا لهجرة الى الله وَرَسُوله ومقتت نَفسه الرفقاء الا ابْن سَبِيل يرافقه فِي سَبيله وَلما كَانَ كَمَال الارادة بِحَسب كَمَال مرادها وَشرف الْعلم تَابع لشرف معلومه كَانَت نِهَايَة سَعَادَة العَبْد الَّذِي لَا سَعَادَة لَهُ بِدُونِهَا وَلَا حَيَاة لَهُ إِلَّا بهَا ان تكون إِرَادَته مُتَعَلقَة بالمراد الَّذِي لَا يبْلى وَلَا يفوت وعزمات همته مسافرة الى حَضْرَة الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى هَذَا الْمطلب الاسني والحظ الاوفى الا بِالْعلمِ الْمَوْرُوث عَن عَبده وَرَسُوله وخليله وحبيبه الَّذِي بَعثه لذَلِك دَاعيا وأقامه على هَذَا الطَّرِيق هاديا وَجعله وَاسِطَة بَينه وَبَين الانام وداعيا لَهُم بِإِذْنِهِ الى دَار السَّلَام وأبى سُبْحَانَهُ ان يفتح لَاحَدَّ مِنْهُم الاعلى يَدَيْهِ اَوْ يقبل من اُحْدُ مِنْهُم سعيا الا ان يكون مُبْتَدأ مِنْهُ ومنتهيا اليه
1 / 46