السَّمَوَات لَيْسَ بمَكَان للطين الارضي الْمُتَغَيّر الرَّائِحَة الَّذِي قد انتن من تغيره وَإِنَّمَا مَحَله هَذَا الارض الَّتِي هِيَ مَحل المتغيرات والفاسدات وَأما مَا كَانَ فَوق الْأَمْلَاك فَلَا يلْحقهُ تغير وَلَا نَتن ولافساد وَلَا استحاله قَالُوا وَهَذَا امْر لَا يرتاب فِيهِ الْعُقَلَاء قَالُوا وَقد قَالَ تَعَالَى وَأما الَّذين سعدوا فَفِي الْجنَّة خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات والارض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك عَطاء غير مجذوذ فَأخْبر سُبْحَانَهُ ان هَذَا الْعَطاء فِي جنَّة الْخلد غير مَقْطُوع وَمَا اعطيه آدم فقد انْقَطع فَلم تكن تِلْكَ جنَّة الْخلد قَالُوا وَأَيْضًا فَلَا نزاع فِي ان الله تَعَالَى خلق آدم فِي الارض كَمَا تقدم وَلم يذكر فِي قصَّته انه نَقله الى السَّمَاء وَلَو كَانَ تَعَالَى قد نَقله الى السَّمَاء لَكَانَ هَذَا اولى بِالذكر لانه من اعظم انواع النعم عَلَيْهِ واكبر اسباب تفضيله وتشريفه وابلغ فِي بَيَان آيَات قدرته وربوبيته وحكمته وابلغ فِي بَيَان الْمَقْصُود من عَاقِبَة الْمعْصِيَة وَهُوَ الاهباط من السَّمَاء الَّتِي نقل اليها كَمَا ذكر ذَلِك فِي حق ابليس فَحَيْثُ لم يَجِيء فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السّنة حرف وَاحِد أَنه نَقله الى السَّمَاء وَرَفعه اليها بعد خلقه فِي الارض علم ان الْجنَّة الَّتِي ادخلها لم تكن هِيَ جنَّة الْخلد الَّتِي فَوق السَّمَوَات قَالُوا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قد اخبر فِي كِتَابه انه لم يخلق عباده عَبَثا وَلَا سدى وَأنكر على من زعم ذَلِك فَدلَّ على ان هَذَا منَاف لحكمته وَلَو كَانَتَا جنَّة آدم هِيَ جنَّة الْخلد لكانوا قد خلقُوا فِي دَار لَا يؤمرون فِيهَا وَلَا ينهون وَهَذَا بَاطِل بقوله أيحسب الانسان ان يتْرك سدى قَالَ الشَّافِعِي وَغَيره معطلا لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى وَقَالَ أفحسبتم انا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا فَهُوَ تَعَالَى لم يخلقهم عَبَثا وَلَا تَركهم سدى وجنة الْخلد لَا تَكْلِيف فِيهَا قَالُوا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ خلقهَا جَزَاء للعاملين بقوله تَعَالَى نعم اجْرِ الْعَالمين وَجَزَاء لِلْمُتقين بقوله ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ وَدَار الثَّوَاب بقوله ثَوابًا من عِنْد الله فَلم يكن ليسكنها إِلَّا من خلقهَا لَهُم من العاملين وَمن الْمُتَّقِينَ وَمن تَبِعَهُمْ من ذرياتهم وَغَيرهم من الْحور والولدان وَبِالْجُمْلَةِ فحكمته تَعَالَى اقْتَضَت انها لَا تنَال الا بعد الِابْتِلَاء والامتحان وَالصَّبْر وَالْجهَاد وأنواع الطَّاعَات وَإِذا كَانَ هَذَا مُقْتَضى حكمته فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يفعل الا مَا هومطابق لَهَا قَالُوا فَإِذا جمع مَا أخبر الله ﷿ بِهِ من انه خلقه من الارض وَجعله خَليفَة فِي الارض وَأَن ابليس وسوس لَهُ فِي مَكَانَهُ الَّذِي اسكنه فِيهِ بعد ان اهبط ابليس من السَّمَاء وَأَنه أخبر مَلَائكَته انه جَاعل فِي الارض خَليفَة وَأَن دَار الْجنَّة لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تاثيم وان من دَخلهَا لَا يخرج مِنْهَا ابدا وان من دَخلهَا ينعم لَا يبؤس وانه لَا يخَاف وَلَا يحزن وان الله سُبْحَانَهُ حرمهَا على الْكَافرين وعدو الله ابليس اكفر الْكَافرين فمحال ان يدخلهَا اصلا لَا دُخُول عبور وَلَا دُخُول قَرَار وانها دَار نعيم لَا دَار ابتلاء وامتحان الى غير ذَلِك مِمَّا ذَكرْنَاهُ من مُنَافَاة اوصاف جنَّة الْخلد للجنة الَّتِي اسكنها آدم إِذا جمع ذَلِك بعضه الى بعض وَنظر فِيهِ بِعَين الانصاف والتجرد عَن نصْرَة المقالات تبين الصَّوَاب من ذَلِك وَالله الْمُسْتَعَان
1 / 28