أَنه هُوَ آدم فَلَو كَانَ قد اسكنه دَار الخلود فَوق السَّمَاء لم يظْهر للْمَلَائكَة وُقُوع الْمخبر وَلم يحتاجوا الى ان يبين لَهُم فَضله وشرفه وَعلمه المتضمن رد قَوْلهم أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء فَإِنَّهُم إِنَّمَا سَأَلُوا هَذَا السُّؤَال فِي حق الْخَلِيفَة المجعول فِي الارض فاما من هُوَ فِي دَار الْخلد فَوق السَّمَاء فَلم تتوهم الْمَلَائِكَة مِنْهُ سفك الدِّمَاء وَالْفساد فِي الارض وَلَا كَانَ اظهار فَضله وشرفه وَعلمه وَهُوَ فَوق السَّمَاء رادا لقَولهم وجوابا لسؤالهم بل الَّذِي يحصل بِهِ جوابهم وضد مَا توهموه إِظْهَار تِلْكَ الْفَضَائِل والعلوم مِنْهُ وَهُوَ فِي مَحل خِلَافَته الَّتِي خلق لَهَا وتوهمت الْمَلَائِكَة انه لَا يحصل مِنْهُ هُنَاكَ الا ضدها من الْفساد وَسَفك الدِّمَاء وَهَذَا وَاضح لمن تَأمله وَأما اسْم الْفَاعِل وَهُوَ فَاعل وَإِن كَانَ بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال فَلِأَن هَذَا إِخْبَار عَمَّا سيفعله الرب تَعَالَى فِي الْمُسْتَقْبل من جعله الْخَلِيفَة فِي الارض وَقد صدق وعده وَوَقع مَا أخبر بِهِ وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه من أول الامر جعله خَليفَة فِي الارض وَأما جعله فِي السَّمَاء اولا ثمَّ جعله خَليفَة فِي الارض ثَانِيًا وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُنَافِي الِاسْتِخْلَاف الْمَذْكُور فَهُوَ ممالا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ بِوَجْه بل يقتضى ظَاهره خِلَافه فَلَا يُصَار اليه إِلَّا بِدَلِيل يُوجب الْمصير اليه وَحَوله ندندن قَالُوا وايضا فَمن الْمَعْلُوم الَّذِي لَا يُخَالف فِيهِ مُسلم ان الله سُبْحَانَهُ خلق آدم من تُرَاب وَهُوَ تُرَاب هَذِه الارض بِلَا ريب كَمَا روى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه من حَدِيث عَوْف عَن قسَامَة بن زُهَيْر عَن ابي مُوسَى الاشعري رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله ان الله ﵎ خلق آدم من قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الارض فجَاء بَنو آدم على قدر الارض فجَاء مِنْهُم الاحمر والابيض والاسود وَبَين ذَلِك والسهل والحزن والخبيث وَالطّيب قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَقد رَوَاهُ الامام احْمَد فِي مُسْنده من طرق عدَّة وَقد أخبر سُبْحَانَهُ انه خلقه من تُرَاب وَأخْبر انه خلقه من سلالة من طين وَاخْبَرْ انه خلقه من صلصال من حمأ مسنون والصلصال قيل فِيهِ هُوَ الطين الْيَابِس الَّذِي لَهُ صلصلة مَا لم يطْبخ فَإِذا طبخ فَهُوَ فخار وَقيل فِيهِ هُوَ الْمُتَغَيّر الرَّائِحَة من قَوْلهم صل إِذا انتن والحمأ الطين الاسود الْمُتَغَيّر والمسنون قيل المصبوب من سننت المَاء إِذا صببته وَقيل المنتن المسن من قَوْلهم سننت الْحجر على الْحجر إِذا حككته فَإِذا سَالَ بَينهمَا شَيْء فَهُوَ سِنِين وَلَا يكون إِلَّا منتنا وَهَذِه كلهَا اطوار التُّرَاب الَّذِي هُوَ مبدؤه الاول كَمَا اخبر عَن خلق الذُّرِّيَّة من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مُضْغَة وَهَذِه احوال النُّطْفَة الَّتِي هِيَ مبدأ الذُّرِّيَّة وَلم يخبر سُبْحَانَهُ انه رَفعه من الارض الى فَوق السَّمَوَات لَا قبل التخليق وَلَا بعده وَإِنَّمَا اخبر عَن اسجاد الْمَلَائِكَة لَهُ وَعَن إِدْخَاله الْجنَّة وَمَا جرى لَهُ مَعَ إِبْلِيس بعد خلقه فَأخْبر سُبْحَانَهُ بالأمور الثَّلَاثَة فِي نسق وَاحِد مرتبطا بَعْضهَا بِبَعْض قَالُوا فَأَيْنَ الدَّلِيل الدَّال على إصعاد مادته واصعاده بعدخلقه الى فَوق السَّمَوَات هَذَا مِمَّا لَا دَلِيل لكم عَلَيْهِ اصلا وَلَا هُوَ لَازم من لَوَازِم مَا أخبر الله بِهِ قَالُوا وَمن الْمَعْلُوم ان مَا فَوق
1 / 27