قال المصنف مبتدئا (بسم الله الرحمن الرحيم) أي باسم الله ابتدئ تأليف هذا الكتاب، ومعناه: أستعين على ذلك بالتسمية ليمنها وبركتها طالبا للإستعانة، ويقدر الفعل متأخرا عنها لإفادة الإختصاص، ثم ثنى بالحمد فقال: (الحمد لله) أي الثناء الحسن والوصف الجميل ثابت لله الذي من صفاته أنه الدال، أي فاعل الدلالة على ذاته دل عليها فعله، لابواسطة وصفاته، والذي يدل عليها أيضا الفعل تارة بغير واسطة كدلالته على كونه قادرا، وكذلك كونه عالما، إذ الأحكام ليس بواسطة؛ لأنه كيفية للفعل لا أن الفعل يدل عليه، ثم يدل على العالمية، وتارة بواسطة واحدة كدلالته على كونه حيا، بواسطة القادرية والعالمية، وتارة بواسطتين كدلالته على كونه مدركا بواسطة كونه قادرا عالما، ثم كونه حيا، وتارة بثلاث وسائط كدلالته على الصفة الأخص بواسطة كونه قادرا، ثم كونه حيا هكذا ذكر الأصحاب، وفيه نظر، والتحقيق أن الفعل يدل على الصفة الأخص بواسطة واحدة، وهي القادرية ووجوبها ليس بواسطة أخرى، فإنه كيفية لها ليست هي دليلا عليه كما قلنا في الأحكام، ولا معنى لعد الحيية واسطة أخرى؛ لأن القادرية كافية في الاستدلال بعجائب مصنوعاته. العجائب: جمع عجيبة وهي ما يتعجب منه. والمصنوعات: جمع مصنوع ويقال: ظاهرة لله لا تدل على ذاته وصفاته إلا ما كان عجيبا من مصنوعاته، وفيه نظر، فإن كل فعل من أفعاله له مدخل في الدلالة وجوابه من وجهين أحدهما أن يكون من باب إخلاء وثبات، كان أصله بمصنوعاته العجائب، فأتى أولاه لصفة، ثم أضافها إلى الموصوف للثبات وهي صفة مدح؛ لأن كل أفعاله يتعجب منها لصدورها على مقتضى الحكمة، وما فيها من الأغراض الحسنة.
الثاني: أن يكون على ظاهره ومفهومه ويريد أن الذي يدل على الذات وجميع الصفات هو ما يتعجب منه لصدوره على جهة الأحكام لا ما ليس بمحكم منها، فإنه إنما يدل على الذات وبعض الصفات، والله أعلم.
صفحة ٢