CHECK [المقدمة]

| CHECK [المقدمة]

بسم الله الرحمن الرحيم. وبه نستعين وعليه نتوكل.

أما بعد.. حمدا لله على نعمه التي يجب شكرها.ولا يطاق حصرها، والثناء عليه لكماله وصفات جلاله التي يطيب نشرها. ولا يقدر قدرها. والصلاة والسلام على خاتم الرسل، وموضح السبل، وناسخ الملك ودامغ الشرك حتى اضمحل وبطل، وعلى عترته شموس الإسلام، وقادة الأنام ومفاتيح النهم، ومصابيح الظلم، وصحابته الأخيار الأعيان والتابعين لهم بإحسان، فإني كنت جمعت حواشي في إبان الشباب وأول رمان الدرس في العلم والإكتساب جعلتهما نصفه التعليق لكتاب منهاج التحقيق لما عز لي من الولع به والغرام والإعتناء بالفحص عن معانيه والإهتمام ولكنها عاقت عائق عن التمام وبدا لي فملت إلى الإضراب وإرتاج هذا الباب تباعدا عن مظان الإحظار، وتجنبا لمسالك العثار فنبذت تلك الكراريس وحجبتها عن مجالس الدرس والتدريس عدة من السنين تزيد على العشرين ثم أن بعض المولعين بفن الكلام وأولي الهمة في تحصيله والإهتمام بالغ في استخراج تلك الحواشي وإبراز أوراقها الخوافي وتتمتها وتكملتها وضبطها وتحصيلها فلم أجد بدا من إنصافه وتلقيه بإجابته وإشغافه مع ما في ذلك من تمام العمل وصيانته عن الإنخراط في سلك ما بطل، فما طابق منها وخلا من الخلل فبتوفيق من الله المثبت في القول والعمل، وما كان فيها من خطأ وخطل فلوضعها في تلك الحال مع عروض اشتغال وعجل؛ ولأنه لا يسلم من الزلل إلا كلام الله عز وجل. وهذا حين الشروع في شرح غوامض الكتاب وتذليل معانيه الصعاب.

صفحة ١

قال المصنف مبتدئا (بسم الله الرحمن الرحيم) أي باسم الله ابتدئ تأليف هذا الكتاب، ومعناه: أستعين على ذلك بالتسمية ليمنها وبركتها طالبا للإستعانة، ويقدر الفعل متأخرا عنها لإفادة الإختصاص، ثم ثنى بالحمد فقال: (الحمد لله) أي الثناء الحسن والوصف الجميل ثابت لله الذي من صفاته أنه الدال، أي فاعل الدلالة على ذاته دل عليها فعله، لابواسطة وصفاته، والذي يدل عليها أيضا الفعل تارة بغير واسطة كدلالته على كونه قادرا، وكذلك كونه عالما، إذ الأحكام ليس بواسطة؛ لأنه كيفية للفعل لا أن الفعل يدل عليه، ثم يدل على العالمية، وتارة بواسطة واحدة كدلالته على كونه حيا، بواسطة القادرية والعالمية، وتارة بواسطتين كدلالته على كونه مدركا بواسطة كونه قادرا عالما، ثم كونه حيا، وتارة بثلاث وسائط كدلالته على الصفة الأخص بواسطة كونه قادرا، ثم كونه حيا هكذا ذكر الأصحاب، وفيه نظر، والتحقيق أن الفعل يدل على الصفة الأخص بواسطة واحدة، وهي القادرية ووجوبها ليس بواسطة أخرى، فإنه كيفية لها ليست هي دليلا عليه كما قلنا في الأحكام، ولا معنى لعد الحيية واسطة أخرى؛ لأن القادرية كافية في الاستدلال بعجائب مصنوعاته. العجائب: جمع عجيبة وهي ما يتعجب منه. والمصنوعات: جمع مصنوع ويقال: ظاهرة لله لا تدل على ذاته وصفاته إلا ما كان عجيبا من مصنوعاته، وفيه نظر، فإن كل فعل من أفعاله له مدخل في الدلالة وجوابه من وجهين أحدهما أن يكون من باب إخلاء وثبات، كان أصله بمصنوعاته العجائب، فأتى أولاه لصفة، ثم أضافها إلى الموصوف للثبات وهي صفة مدح؛ لأن كل أفعاله يتعجب منها لصدورها على مقتضى الحكمة، وما فيها من الأغراض الحسنة.

الثاني: أن يكون على ظاهره ومفهومه ويريد أن الذي يدل على الذات وجميع الصفات هو ما يتعجب منه لصدوره على جهة الأحكام لا ما ليس بمحكم منها، فإنه إنما يدل على الذات وبعض الصفات، والله أعلم.

صفحة ٢

تنبيه: هذا في فن البديع يسمى براعة الإستهلال، وهو أن يفتتح المتكلم خطبته أو رسالته أو مصنفه أو غير ذلك بما يدل على غرضه، ولما كان غرض المصنف الخوض في علم الكلام أتى في فاتحة كلامه بما يشعر بمراده وجعل خطبته هذه البليغة كالفهرسة لهذا الفن والإشارة إلى كثير من مسائله ومن أمثلة براعة الإستهلال قول بعض الكتاب: الحمد لله الذي خلق الأنام في بطون الأنعام، حين كتب مخبرا بأن بقرة ولدت عجلا وجهه كوجه الإنسان. الكاشف عن عدله وحكمته أي الموضح لعدله وهوكونه لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب، وحكمته وهي كون كل فعل له فهو حسن، وله فيه غرض صحيح بوجوب غناه وهو كونه حيا ليس بمحتاج، ووجوب عالميته وهو كونه لا يجوز عليه الجهل بحال، فإنا علمنا عدله وحكمته بكونه عالما بقبح القبيح غنيا عن فعله وعالما باستغنائه عنه لا يجوز أن يحتاج إليه ولا أن يجهل قبحه ولا أن يجهل استغناءه عنه بوجه من الوجوه وإسناد الكشف إليه، مع أن الوجوب ليس أمرا صادرا عنه من قبيل التجوز؛ لأنه لا يعلم ذلك الوجوب إلا ما نصبه من الأدلة وركبه من العقول القادر على جميع أجناس المقدورات.

صفحة ٣

صفحة ٤

صفحة ٥