أنها حين وصلت إلى بلاد العرب كانت قد بلغت درجة من التعقيدات
والخلافات لم تستسغها عقول العرب.
الحياة الثقافية:
كان العرب قبل الإسلام أمة أمية، لا تعرف القراءة والكتابة إلا فى
نطاق ضيق، ولم يكن الذين يعرفونها فى «مكة» مثلا يزيدون على
عشرين شخصا، ومع ذلك فإنهم امتلكوا قدرا لا بأس به من المعرفة،
واتصلوا بالعالم الخارجى من خلال رحلاتهم التجارية، فعرفوا الثقافة
الفارسية عن طريق إمارة «الحيرة» العربية، والثقافة اليونانية عن
طريق الإمارات العربية فى «الشام».
واكتسب العرب أيضا قدرا كبيرا من المعارف العلمية بالخبرة والتجربة
وبدافع الحاجة كالمعلومات الفلكية والجغرافية، دفعهم إلى معرفتها
تنقلاتهم الكثيرة، وارتحالهم من مكان إلى آخر، وحاجتهم إلى معرفة
مواسم نزول الأمطار وهبوب الرياح.
وتفوق العرب على غيرهم من الأمم فى مجال «علم الأنساب»، وذلك
لاعتزازهم بانتسابهم إلى قبائلهم، وبلغ من شدة اهتمامهم بعلم
الأنساب أن اعتنوا بأنساب الخيل، غير مكتفين بأنساب البشر.
أما الميدان الثقافى الذى برع فيه العرب فهو البلاغة والفصاحة،
فالعربى كان فصيحا بطبعه، بليغا بفطرته، ودليل ذلك فهمهم للقرآن
الكريم، الذى نزل بلغتهم وهو ذروة البلاغة والفصاحة.
وبرع العرب فى ميدان الشعر براعة واضحة، فهو ديوان حياتهم،
وشعراؤهم يعدون بالمئات، والشعر العربى إلى جانب كونه لونا
راقيا من ألوان الأدب يعد بعد القرآن الكريم مصدرا من مصادر معرفة
الحياة العربية بكل خصائصها ومظاهرها.
وكما تفوق العرب فى الشعر تفوقوا فى الخطابة، وكانوا يقيمون
الأسواق الأدبية التى تشبه مهرجانات المسابقات الأدبية فى الوقت
الحاضر، ومن أشهر تلك الأسواق سوق «عكاظ»، وكانت تعقد فيها
لجان للتحكيم بين الشعراء والخطباء، والقصيدة أو الخطبة التى يفوز
صاحبها يتناقلها الناس ويحفظونها، ويشيدون بقائلها، ومن القصائد
صفحة ٦