أن يصل أخوه إلى «يثرب»، فحزن «عبدالمطلب» حزنا شديدا على
موت ابنه «عبدالله» الذى لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، ولم
يمض على زواجه سوى شهور قليلة.
ولما خفت موجة الحزن على آمنة، بدأت تحس بجنين يتحرك فى
أحشائها، فتعلق به أملها، عسى أن يعوضها فقد زوجها الحبيب،
وأخبرت «عبدالمطلب» بحملها، ففرح لذلك فرحا شديدا، وامتلأ قلبه
أملا ورجاء فى أن يأتى هذا الحمل بولد يعوضه عن ابنه الفقيد.
حادثة الفيل:
بعد أن حكم «أبرهة» «اليمن» تملكته الغيرة من الكعبة المشرفة،
وأراد أن يصرف العرب عن زيارتها، فبنى كنيسة ضخمة بالغة
الروعة، تسمى «القليس»، وساق أهل «اليمن» إلى التوجه إليها
والتعبد فيها، لكنه لم يفلح فى ذلك، وزاد من غضبه أن أحد الأعراب
عبث بالكنيسة وقذرها، فأقسم «أبرهة» ليهدمن الكعبة، ويطأن
«مكة»، وجهز لذلك جيشا جرارا، تصاحبه الفيلة، وفى مقدمتها فيل
عظيم، ذو شهرة خاصة عندهم.
وحينما علمت العرب بنية «أبرهة» تصدوا له، لكنهم لم يفلحوا فى
وقف زحفه، حتى إذا بلغ جيش «أبرهة» «المغمس» - وهو مكان بين
«الطائف» و «مكة» - ساق إليه أموال «تهامة» من «قريش» وغيرها،
وكان فيها مائتا بعير لعبد المطلب بن هاشم، فهمت «قريش» وقبائل
العرب بقتال «أبرهة»، ولكنهم وجدوا أنفسهم لا طاقة لهم بحربه،
فتفرقوا عنه دون قتال.
أرسل «أبرهة» إلى «عبدالمطلب» يبلغه أنه لم يأت لحربهم، وإنما
جاء لهدم البيت، فإن تركوه وما أراد فلا حاجة له فى دمائهم، فذهب
«عبدالمطلب» إليه، فلما دخل نزل «أبرهة» من سريره، وجلس على
البساط، وأجلس «عبدالمطلب» إلى جانبه، وأكرمه وأجله، فطلب
«عبدالمطلب» منه أن يرد عليه إبله التى أخذوها، فقال «أبرهة»:
أعجبتنى حين رأيتك، وزهدت فيك حين كلمتنى، تترك بيتا هو دينك
ودين آبائك، جئت لأهدمه، وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك؟
صفحة ٩