فإن قائلهم يقول: لو شهد علي في باقة بقل ما قبله، وجمهورهم إن لم يكونوا أجمعين يزنونه بميزان معاوية الطليق، ولا يجعلون لعلي - كرم الله وجهه - مزية، بل قالوا: كلاهما في الجنة، وهي شهادة منهم لغير مدعي، فإن معاوية لا يساعدهم على ذلك، فكيف بعلي - كرم الله وجهه - وكيف يساعدهم معاوية وخطباؤه يشهرون اللعن لعلي - عليه السلام - على آلاف من المنابر؟ وكيف يساعدهم علي - كرم الله وجهه - وهو يقنت في صلاته بلعن معاوية؟ فهذه الطوائف زادت في معاداة علي - كرم الله وجهه - على معاداة معاوية له، فإنهم صوبوا معاوية في جميع معاداته لعلي، فكانوا شركاءه فيما صنع، وزادوا على (1) ذلك بإرغام أنف أمير المؤمنين - صلوات الله عليه، وصانه عن الإرغام - بأن قالوا: عدوك الذي لعنته، ولعنك من أهل عليين، من الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين. ولقد أحسن كرم الله وجهه في جوابه على من انتحل هذه المقالة في زمانه، فإنه حكى الماوردي صاحب (أدب الدين والدنيا) من الشافعية أن رجلا قال لأمير المؤمنين - كرم الله وجهه -: أنا أحبك، وأحب معاوية، فقال له - عليه السلام -: ((إذا أنت أعور، فإما أحببتني وكنت صحيحا، وإلا أحببت معاوية وكنت أعمى))، أو كما قال، فهي رواية بالمعنى.
صفحة ٩