( قوله وذو اشتباه) أي وصاحب اشتباه والمراد به المتشابه (قوله ما اختفى) أي معناه فهو مقابل المحكم وذلك الاختفاء إما لإجمال في اللفظ كلفظة القرء أو لإفهامه تشبيه الرب تعالى بخلقه، كالاستواء في إسناده إلى الرحمن فهو قسمان، وهذا التعريف شامل لغالب الأقوال التي في المتشابه، وذلك أن بعضا ذهب إلى أن المتشابه هو ما كان له معنيان فصاعدا. قلنا: إن كان معانيه أظهر من الباقية فبالنسبة إلى ذلك المعنى محكم وبالنسبة إلى غيره متشابه، فيدخل تحت المختفي معناه وإن كانت معانيه متساوية في الظهور والخفاء فهو مجمل وبإجماله اختفى المعنى المراد منه، فيدخل تحت المختفي معناه وبعض ذهب إلى أن المتشابه ما لا يعرف كميته ك ((عليها تسعة عشر))([20]) ((ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية))([21]) قلنا هو من قبيل المختفي معناه، وبعض ذهب إلى أن المتشابه هو ما لا يعلم تأويله إلا الله، قلنا: راجع إلى الخفي معناه أيضا وبعض ذهب على أن المتشابه هو الحروف المقطعة أوائل السور: كالم وطس وهو راجع إلى المختفي معناه أيضا (قوله كالمجمل) إنما سمي المجمل متشابها لتشابه معانيه التي احتملها حتى لا يترجح بعضها على بعض، وذكر صاحب المنهاج وهو معتزلي المذهب أن مذهبهم أن المجمل ليس من المتشابه إذ لا بد للمتشابه من معنى ظاهر ليس بمراد، ومعنى خفي هو المراد منه لقوله تعالى ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه))([22]) قال: ففي هذه الآية دليل على أن في المتشابه معنى ظاهرا يتبع. ( قلنا): ما ذكرته هو بعض المتشابه لا كله فلا ينافي وجود قسم آخر للمتشابه ومن اتبع شيئا من المتشابه يصدق عليه أنه متبع للمتشابه (قوله أو مفهم تشبيه مولانا) أي القسم الثاني من المتشابه هو ما كان ظاهره يفهم تشبيه المولى عز وعلا بالخلق كآيات الاستواء، وآية الجنب، وآيات اليد، ونحوها وإنما سمي هذا النوع متشابها لأن ظاهره مشابه لحكم الوهم وباطنه موافق لحكم العقل، فاشتبه المعنيان فصدق عليه اسم المتشابه (قوله فمنه ما قيل بأنه الذي الخ) أي فمن الخفي معناه القول بأن المتشابه هو ما كان له معنيان فصاعدا وقد يقال: إن هذا قول آخر لأنه شامل للظاهر أيضا وعلى هذا الاحتمال فهو مردود لأنه يلزم عليه أن يكون غالب الكتاب والسنة متشابها، وقد يجاب بأنه لا محذور في كون غالبهما متشابها كيف والكتاب يشير إلى ذلك بقوله ((منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات))([23]) فيفيد أن المحكم قليل حيث عبر عنه بمن التبعيضية وإن ما عدا ذلك البعض متشابه وهذا جواب حسن ولا ضير في إطلاق المتشابه على الظاهر مع العمل به، بل هو خلاف لفظي وإنما الضير في ترك العمل بالظاهر (قوله له احتمالان) أي محتملان أي معنيان يصح حمله على كل واحد منهما.
(قوله فصاعدا) حال محذوف عاملها وجوبا تقديره فذهب الاحتمال صاعدا.
(قوله خذ) فعل أمر به يتعلق منه في صدر البيت أي خذ من تعريفنا هذا القول.
(قوله ومنه أيضا) أي ومن تعريفنا القول بأن المتشابه ما كان مبهما على الخلق لا يعرفونه كوقت الساعة والتسعة عشر في قوله تعالى ((عليها تسعة عشر))([24]) والثمانية من قوله تعالى ((ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية))([25]) فإنه لا يدري أتسعة عشر ملكا أم ألفا وكذلك القول في الثمانية (قوله مبهما) هو الذي لا بيان له (قوله كتسع عشر) في الآية ((عليها تسعة عشر)) حذفت تاؤه للوزن.
صفحة ٦٩