( قوله ومجمل) هو ما خفي المراد منه إلا ببيان من المجمل بكسر الميم الثانية وهو أنواع ثلاثة، لأن خفاء المراد منه إما أن يكون بسبب اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر كالقرء للحيض والطهر، فلا يعلم عند إطلاقه أي المعنيين أريد حتى ينصب المتكلم قرينة على مراده منه، وتلك القرينة هي البيان وإما أن يكون بغرابة اللفظ وذلك كأن يكون اللفظ غريبا لا يعرف معناه إلا ببيان، ومثلوا له بالهلوع من قوله تعالى ((خلق الإنسان هلوعا))([7]) فقوله ((إذا مسه الشر جزوعا))([8]) إلى آخره بيان للهلوع، وإما أن يكون بسبب نقل اللفظ عن معناه المعلوم منه إلى معنى آخر لم يعلم بعد كالصلاة فإن معناها لغة، ونقل إلى العبادة المخصوصة ببيان من الرسول وكالربا فإنه لغة الزيادة ونقل إلى بيع الشيء بمثله نسيئة كان معه زيادة أولا ببيان من الرسول صلى الله عليه وسلم هذا كله مبني على مذهب الحنفية في المجمل، أما على مذهبنا ومذهب الشافعية فهو عندنا ما احتمل معنيين لم يكن أحدهما بالنسبة إليه أظهر من الآخر، فلا تكون الغرابة ولا النقل إجمالا عندنا، وسيأتي أن المجمل عندنا قسم من المتشابه فعطفه عليه من عطف البعض على الكل.
(قوله مفصل) أي مبين وهو ما ظهر معناه سواء كان ظهوره بنفس لفظه ويسمى بيانه ابتدائيا أو بغيره وذلك الغير إما أن يكون كتابا أو سنة أو إجماعا أو عقلا والأول أعني ما فيه البيان بنفس لفظه إما أن يكون لا يحتمل غير معناه أو يحتمل غيره احتمالا مرجوحا، وهذان النوعان هما المسميان عندنا بالمحكم كما ستعرفه قريبا إن شاء الله، فعلم أن المبين أعم مطلقا من المحكم لأن كل محكم مبين ولا عكس.
(قوله نؤمن به) أي نصدق به على وجه الإذعان أنه من عند الله وأنه حق سواء ظهر لنا معناه أو خفي ونعتقد أن ما خفي معناه خفي لحكمة سواء عرفناها أو لم نعرفها، لأنا لا نحيط علما بحكم الله عز وجل وليس لنا أن نعترض عليه في شيء من أفعاله.
صفحة ٦١