( (قالوا) المحذور من تعدد القدماء قدم ذاتين لا ذات وصفات (قلنا) الكل محذور لأنكم إن جعلتم صفاته معاني حقيقية هي غيره لزم افتقاره إليها لأنكم تزعمون أنه بها يعلم وبها يقدر إلى آخرها، والمفتقر إلى الغير ليس باله كما مر، فإذا عرفت هذا فاعلم أنه لا وجه لقول من قال من أهل المذهب أن القرآن قديم إلا أن يريدوا أن الله تعالى ليس بأخرس فيعبرون بهذه العبارة القاصرة عن ذلك المعنى المطلوب، فتنتفي عنهم البراءة بهذا الاحتمال حسن ظن بالمسلمين ولكون مذهبهم معروفا في قولهم إن صفات الذات عين الذات، فيجب رد تلك العبارة منهم إلى هذه القاعدة المنيعة. ولا عبرة بمن جهل المذهب من بعض العوام فوصف القرآن المتلو بالقدم، وشنع على مخالفه في ذلك ونظم نونية عزاها إلى ابن النضر حاشاه من ذلك، فإن مذهبه رحمه الله تعالى معروف من قوله:
وأما كلام الله فهو كتابه= كذلك قال الله للطاهر الشيم
ومن قوله:
قال فالجعل هو الخلق أم = الجعل شيء غيره فيما ذكر
قلت جعل الله خلق كله = ومن الناس مقال مشتهر
قال قال الله لم أجعل لكم= من بحير ووصيل في البقر
قلت قال الله لم أجعل لكم= فاعلموا التبحير دينا يحتجر
فإنه نفى في كلامه الأول الكلام الذاتي وحصر الكلام في الكلام الفعلي، ولا يتصور ممن نفى الكلام الذاتي أن يقول بقدم الكلام الفعلي ومن نسب إليه ذلك فقد رماه بكبيرة لأنه زعم أن ابن النضر يقول إن الكلام الفعلي قديم وهذا لم يقل به أحد من المسلمين إلا الحنابلة، وبذلك القيل كفروا فلو قال به قائل من غيرهم حكم عليه بالكفر أيضا، لأنه جعل غير القديم قديما، وذكر في كلامه الآخر أن جعل الله كله خلق وناظر من خاصمه في ذلك، وقد وصف الرب القرآن بقوله ((إنا جعلناه))([10]) فعلم من قاعدته رحمه الله أن القرآن مخلوق فمن نسب إليه النونية بعد ذلك فقد عزاه إلى الجهل لأن فيها ما يناقض ما هنا وذلك قوله:
صفحة ٥٦