وخالفت الحنابلة في هذا كله وقالوا إن كلامه تعالى حروف وأصوات قائمات بذاته عز وجل قديمة معه وبالغوا في ذلك حتى قال بعضهم جهلا: إن الجلد والغلافة قديمان وهؤلاء مشركون وقد حكى السيد عنهم في الحواشي الكشاف أنهم أجازوا تعدد القدماء وهذا من ذلك الباب وهو شرك أيضا.
وذهبت الكرامية([8]) إلى أن كلامه تعالى حروف وأصوات محدث قائم بذاته لتجويزهم قيام الحوادث بالذات العلية وهذا شرك أيضا لأنهم ساووا بين الله وخلقه حيث وصفوه بصفاتهم (وأما) الحنابلة فقد وصفوا المخلوق بالصفة المختصة بالخلق فكان شركهما شرك مساواة (وإنما الخلاف) في الصفة الذاتية المسماة بالكلام فذهبت الأشعرية([9]) وطائفة من المشارقة إلى أنه قديم لأنه صفة ذات وصفات الذات قديمة، وأطلقوا عليها اسم قرآن فقالوا القرآن الذي هو صفة الذات ليس بمخلوق ولم يقم على تسمية الكلام الذاتي بالقرآن دليل، ولكن لهم أن يصطلحوا على ذلك فيكون الخلاف لفظيا حاصله هل يسمى الكلام الذاتي قرآنا أم لا؟
(واعلم) أن أصحابنا اختلفوا في إثبات الكلام الذاتي فمن أثبته جعله عبارة عن نفي الخرس عنه تعالى وهم الجمهور، ونفاه البعض كالإمامين ابن النضر وأبي ساكن وغيرهما، واكتفوا في نفي الخرس عنه تعالى بصفة القدرة فإذا عرفت هذا وقد تقدم لك أن صفات الذات عين الذات فأعلم أن الكلام الذاتي ليس هو شيئا غير الذات العلية، وإنما هو عبارة عن اتصافها بصفة كمالية ليست هي غيرها بمعنى أن الذات العلية كاملة وعبر عن ذلك الكمال بألفاظ دالة على أنواع الكمال فليس هنالك غير الله المتصف بالكمال الذاتي حتى يوصف ذلك الغير بأنه قديم، نعم على مذهب الأشاعرة الزاعمين بأن صفات الذات غير الذات فيلزمهم تعدد القدماء كما مر.
صفحة ٥٥