( قوله والكل مخلوق) أي وكله فأل عوض عن المضاف إليه (اعلم) أنه (لا خلاف) بين الأمة في أن كلامه تعالى المكتوب في المصاحف المتلو بالألسن المحفوظ في الصدور مخلوق، لأنه مركب من حروف وكل حرف منها مشروط وجوده بانقضاء ما قبله، فيكون له ابتداء وانتهاء، وما كان له ابتداء وانتهاء فهو حادث، والمركب من الحادث حادث بالضرورة، ولأنه ممكن وجوده وعدمه وكل ما كان كذلك فهو حادث بالضرورة أيضا، ولأنه شيء غير الله عز وجل فلو قيل بقدمه بطلت الوحدانية في القدم، لأنه يلزم أن يكون حينئذ قدمان وهو باطل، ولأن الله عز وجل قال في حقه ((قرآنا عربيا))([1]) فيقتضي أن يكون بعض الكلام الإلهي عربيا وبعضه عبرانيا ونحو ذلك من اللغات فيكون متغيرا بتغير العبارات والمتغير حادث، ولأن الله تعالى وصفه بأنه ذكر بقوله ((وأنه لذكر لك))([2]) ووصف الذكر بأنه حادث بقوله ((وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث))([3]) ولأنه تعالى قال في حقه ((كتاب أحكمت آياته ثم فصلت))([4]) وهذا دليل على تركيبه من أجزاء هي آياته والمركب حادث، ولأنه تعالى وصفه بأنه تنزيل وذلك يقتضي تنقله من مكان إلى مكان والمتنقل حادث، ولأنه تعالى وصفه بأنه في اللوح به هو ((قرآن مجيد في لوح محفوظ)) ([5]) واللوح حادث فكذا الحال فيه ولأنه تعالى وصفه بقوله ((بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم))([6]) وتلك الصدور حادثة وكذا الحال فيها، ولأنه ذكر فيه أنا أرسلنا ونحوها من صيغ الماضي فلو كان قديما لزم أن يكون الإرسال قبل وجود ذلك القديم ولا وجود قبله فيلزم الكذب، ولأنه تعالى قال فيه ((إنا جعلناه قرآنا))([7]) والمجعول مخلوق ولأنه لو كان قديما لزم أن يكون المتكلم به حيث لا مخاطب سفيها والله يتعالى عن ذلك.
صفحة ٥٤