( وذهبت) المعتزلة وأبو عبدالله الحليمي([10]) والقاضي أبو بكر([11]) إلى أن الملائكة أفضل من الأنبياء واستدلوا على ذلك بوجوه عقلية ونقلية فأما (العقلية) فمبنية على قواعد الفلسفة التي لا يسلمها الإسلاميون فلا نذكرها، وأما (النقلية فمنها) قوله تعالى حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم ((ولا أقول إني ملك)) ([12]) قلنا لم يقل على سبيل التواضع وإنما قاله ليتبرأ من دعوى القوة حيث استعجلوه بإنزال العذاب الذي توعدوا به وذلك أن الملائكة أقدر على زلزلة الأرض وقلبها مع أن ظاهر الآية يقتضي تفضيلهم أيضا على محمد صلى الله عليه وسلم والخصم لا يقول بذلك فينتقض بذلك استدلاله.
(ومنها) قوله تعالى حكاية عن إبليس ((ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين)) ([13]) إنهما رأيا الملائكة أعظم خلقة وأقوى فعالا فخيل لهما أن ذلك هو الكمال (ومنها) ((لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون)) ([14]) (قلنا): هو رد على النصارى حيث زعموا ألوهية عيسى من حيث أنه يحيي الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص وأنه لا أب له والملائكة أقدر على ذلك من عيسى بتقوية الله لهم ولا أب لهم ولا أم فلم يكن ذلك موجبا لاستنكافهم عن العبودية.
(ومنها) ((ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم)) ([15]) (قلنا) هو حكاية عن نسوة غير متفقهات وأيضا فهو تفضيل في الحسن لا في الخصال وذلك أنه تخيل لهن أن الملك أحسن صورة من جميع خلق الله فقلن ذلك (ومنها) أنهم رسل الله إلى أنبيائه والرسول أفضل من المرسل إليه (قلنا): هذا يقتضي أن الملك إذا أرسل أحدا من عوام الناس إلى ملك آخر أن يكون ذلك العامي أفضل من الملك المرسل هو إليه وأيضا فهذا يستلزم تفضيلهم على نبينا والخصم لا يقول بذلك.
صفحة ٣٨