( تنبيه) إذا ورد في شيء من الشرائع الأول حكم في شيء لم يكن فيه من شريعتنا شيء لا نسخ ولا تقرير هل يصح الأخذ به أم لا؟ ذهب بغضهم إلى المنع من ذلك لأن جميع الشرائع نسخت بشرعنا، والمنسوخ لا يعمل به، فإن ورد فيه من شرعنا شيء عملنا به، وإلا رددنا إلى أصل الأشياء.
أقول أصل ذلك الشيء هو حكمه الذي أنزل الله فيه فلا ينتقل عنه إلا بحكم آخر، ولا يلزم من هذا كون نبينا عليه الصلاة والسلام متعبدا بشريعة من قبله لاحتمال أن يكون فيه حكم آخر أو تقرير له، لم يصل إلينا نقله (لا يقال) أن التقرير للشرع الأول هو عين التعبد به (لأنا نقول) لا نسلم أنه عينه بل غيره، لأن الشرع في اللغة عبارة عن البيان والإظهار يقال شرع الله كذا أي جعله طريقا ومذهبا فإن الشرع الثاني الذي تعبد به غير الأول الذي قرر، وقال بعضهم: إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ وهو عين ما نحن عليه لكن هؤلاء بنوا مذهبهم على أن محمدا صلى الله عليه وسلم متعبد بشريعة من قبله وقد عرفت ما فيه.
(قوله سوى الهدى) الهدى يطلق على التوحيد والتقديس، ويطلق على ما لا يعرف إلا بلسان الأنبياء من الفعل والترك، ثم أنه يطلق على الكل ويطلق على الجزء ا. ه أبو البقاء([7]) والمراد به هنا الإطلاق الأول وما لا يصح نسخه من مكارم الأخلاق.
(قوله بشرعنا) متعلق بنسخه والإضافة فيه لتشريف المضاف إليه.
(قوله البديع) أي الحسن نعته بصفة ملازمة له كشفنا لحقيقته عند الغبي به كمن أنكره من اليهود والنصارى.
(قوله وما له أي شرعنا) بجر شرع بدل من الضمير أو عطفا عليه بأي التفسيرية على مذهب من جعلها عاطفة.
(قوله مغير) أي مزيل بمعنى ناسخ أي ليس لشرعنا ناسخ أبدا لقوله تعالى ((وخاتم النبيين))([8]) وليس بعد الخاتم أحد إذ لو كان بعده أحد لما كان خاتما لهم وقوله صلى الله عليه وسلم ((لا نبي بعدي))([9]) فيجب اعتقاد هذا المعنى على كل من بلغه علمه.
صفحة ٣٤