( وأعلم) أيضا أن شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام ناسخة لجميع الشرائع الأول إلا ما لا يصح نسخه كالتوحيد ومكارم الأخلاق، فإنه بعث ليتممها لا ليبدلها وأما التوحيد فلا يصح نسخه لأن صفات الله تعالى لا يصح تبديلها فلا يجوز أن يؤمر هذا النبي أن يعتقد أن الله تعالى لا يرى ويؤمر هذا أن يعتقد أنه يرى فإذا عرفت هذا (فاعلم) أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبدا بشريعة أحد من قبله وقال بعضهم أنه متعبد بشريعة إبراهيم لقوله تعالى ((ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم))([2]) قلنا أمر باتباعه في الحنيفية المنافية للشرك، وإدعاء الولد له تعالى ونحو ذلك، وهذه الحالة مشترك فيها جميع الأنبياء وخص إبراهيم بإضافتها إليه لمزية هي اتفاق أهل الكتابين والمشركين على نبوته وشهرته عندهم وقال بعضهم: بعضهم متعبد بشريعة نوح لقوله تعالى ((إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح))([3]) قلنا تشبيه للإيحاء بالإيحاء لا الموحى بالموحى ولو قلنا له تشبيه للموحى بالموحى ما لزمنا أن يكون متعبدا بشريعته لأن تشبيه الشيء بالشيء لا يستلزم أن يكون عينه بل لا يجوز أن يكون ذلك فيلزم منه تشبيه الشيء نفسه وقال بعضهم: إنه متعبد بشريعة موسى لقوله صلى الله عليه وسلم ((نحن أحق بموسى بن عمران))([4]) قلنا كونه أحق به لا يستلزم تعبده بشريعته وقال بعضهم أنه متعبد بشريعة عيسى لقوله صلى الله عليه وسلم ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم))([5]) قلنا فيه ما في الذي قبله وقال بعضهم: أنه متعبد بشريعة أولي العزم لقوله تعالى ((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل))([6]) قلنا ليس فيه سوى أمره بالإقتداء بهم في الصبر وهو غير المطلوب.
صفحة ٣٣