ولي بها خليل إحسانه جميل ينعم بالفكاك من ربقة الشباك
فلجأوا اليها ووقعوا عليها
فنادت الحمامة أقبل أبا أمامة
فأقبلت فويرة كأنها نويرة
تقول: من ينادي أبي بهذا الوادي
قال لها المطوق أنا الخليل الشيق
قولي له فليخرج وآذنيه بالمجي
فرجعت وأقبلا فأر يهد الجبلا
فأبصر المطوقا فضمه واعتنقا
وقال أهلا بالفتى ومرحبا بمن أتى
قدمت خير مقدم على الصديق الأقدم
فادخل بيمن داري وشرفن مقداري
وانزل برحب ودعة وجفنة مدعدعة
فقال كيف أنعم أم كيف يهني المنعم ؟
وأسرتي في الأسر يشكون كل عسر
فقال مرني ائتمر عداك نحس مستمر
قال أقرض الحبالا قرضا بلا ملاله
وحل قيد أسرهم وفكهم من أسرهم
قال أمرت طائعا وخادما مطاوعا
فقرض الشباكا وقطع الأشراكا
وخلص الحماما وقد رأى الحماما
فأعلنوا بحمده واعترفوا بمجده
فقال قروا عينا ولا شكوتم أينا
وقدم الحبوبا للأكل والمشروبا
وقام بالضيافة بالبشر واللطافة
أضافهم ثلاثا من بعد ما اغاثا
فقال ذاك الخل: الخير لا يمل
فقت أبا أمامه جودا على ابن مامة
وجئت بالصداقة بالصدق فوق الطاقة
ألبستنا نطاقه وزدتنا أطواقا
من فعلك الجميل وفضلك الجزيل
مثلك من يدخر لريب دهر يحذر
وترتجيه الصحب إن عم يوما خطب
فأذن بالإنصراف لنا بلا تجافي
دام لك الإنعام ما غرد الحمام
ودمت مشكور النعم مارا شاد بنغم
فقال ذاك الفأر جفا الصديق عار
ولست أرضى بعدكم لا ذقت يوما فقدكم
ولا أرى خلافكم إن رمتم انصرافكم
عمتكم السلامة في الظعن والإقامة
فودعوا وانصرفوا والدمع منهم يذرف
فاعجب لهذا المثل المغرب المؤثل
أوردته ليحتذى إذا عرى الخل أذى
***
فصل في اتحاد الصديقين
==============
الصدق في الوداد يقضي بالاتحاد
في النعت والصفات والحال والهيئات
ويكسب المشوقا ما يكسب المعشوقا
حتى يظن أنه من الحبيب كنهه
لشدة العلاقة والصدق في الصداقة
وهذه القضية في حكمها مرضية
أثبتها البيان النقل والعيان
كذاك قال الأول الحق لا يأول
صفحة ٦