ولم يزل ذا فحص يسأل كل شخص عمن بها من نازل وفاضل مشاكل
فوصفوا نديما ذا أدب كريما
ينادم المهلب وهو أمير العرب
فأمه وقصده وحين حل معهده
عرفه بأمره وحلوه ومره
فقال أنت تصلح بل خير من يستملح
لصحبة الأمير السيد الخطير
إن كنت ممن يصبر لخصلة تستكثر
فقال أي خصلة فيه تنافي وصله
فقال هذا رجل لا يعتريه الملل
من إفتراء الكذب في حزن وطرب
فإن أردت طوله فصدقن قوله
في كل ما يختلق ويفتري وينطق
حتى تنال نائله ولا ترى غوائله
قال الفتى سأفعل ذاك ولست أجهل
فذهب النديم وهو به زعيم
فعرف الأميرا بفضله كثرا
حتى دعاه فحضر وسره عند النظر
فراشه في الحال بكسوة ومال
فلزم الملازمة للأنس والمنادمة
ولم يزل يصدقه في كل إفك يخلقه
فقال يوما وافترى بهتا وكذبا منكرا
لي عادة مستحسنة أفعلها كل سنة
أطبخ للحجاج من لحم الدجاج
في فرد قدر نزلا يكفي الجميع مأكلا
فحار ذلك الفتى من قوله وبهتا
وقال ليت شعري ما قدر هذا القدر
هل هي بئر زمزم أو هي بحر القلزم
أم هي في الفضاء بادية دهناء
فغضب الأمير وغاضه النكير
وقال ردوا صلته منه وقدوا خلعته
وأخرجوه الآنا عنا فلا يرانا
فندم الأديب وساءه التكذيب
وعاود النديما لعذره مقيما
وقال منذ دهري لم اشتعل بسكر
فغالني الشراب وحاق بي العذاب
وقلت ما لا أعقل والهفو قد يحتمل
فسل لي الإغضاء والعفو والرضاء
قال النديم إني أرضيه بالتأني
بشرط أن تنيبا وتترك التكذيبا
فراجع الأميرا واستوهب التقصيرا
واستأنف الإنعاما عليه والإكراما
فعاد للمنادمة باللطف والملائمة
فكان كلما كذب وقال افكا وانتدب
صدقه وأقسما بكونه مسلما
حتى جرى في خبر ذكر كلاب عبقر
ووصفها بالصغر وخلقها المحتقر
قال الأمير وابتكر ليس العيان كالخبر
قد كان منذ مدة لدي منها عدة
أضعها في مكحلة للهزل والخزعبلة
وكان عندي مسخرة أكحل منها بصره
فكانت الكلاب في عينه تناب
وهي على مجونه تنبح في جفونه
فقام ذلك الفتى يقول لا عشت متى
صفحة ١١